النَّحلَةُ تَحذَرُ الآفَاتِ

زينب عبد الله العارضيّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 285

مع إشراقة كلّ صبحٍ جميل تهبّ للعمل، تنتقل من زهرة إلى أخرى لتصنع العسل، شِعارها التعاون ودِثارها الأمل، إنّها النحلة، مخلوق مبارك تحدّث عنها الكتاب العزيز وضُرِب لنا في الروايات بها المثل، تُرى لِمَ لا نكون مثلها في عملها ونشاطها، ودقّتها وهمّتها، وجميل صُنعها وعظيم أثرها؟ كوني كالنحلة.. سلسلة مقالات هادفة، تأخذكم في جولة رائعة إلى عالم النحل العجيب، وتدعوكم إلى العمل الدؤوب. يذكر العلماء أنّ في حياة النحل آفات تؤثّر فيها، وتؤدّي إلى عرقلة عملها، وقلّة إنتاجها، ورداءة عطائها، كالريح النتنة والدخان والنار؛ لذا عندما تتصاعد ألسنة اللهب ويملأ الدخان المكان تقرّر النحلة التوقّف عن العمل ريثما تزول الآفات وتنعدم الأخطار؛ لأنّها مؤمنة بأنّ هذه الآفات تدمّر مسيرتها وتُعيقها عن التقدّم والإزدهار، فالنحلة تحبّ التواجد في الأماكن الجميلة حيث تتدفّق الينابيع وتُورق الأشجار وتتألّق الثمار بعد أن تمتلئ الحدائق بالأزهار، وإن تمّ تربيتها من قِبل أيّ نحّال، فعليه أن يهتمّ بالمكان في أثناء العمل، ويستخدم الأجهزة النظيفة لاستخراج العسل؛ لأنّ المنحل الذي تُهمل رعايته يتحوّل إلى بيئة مريضة، فلا يكون نتاجها مباركاً بحال من الأحوال. رسالتنا من عالم النحل في كلّ الأوقات: لا للآفات. يسعى الإسلام على الدوام عبر الرؤى والأحكام، إلى صنع الإنسان الصالح الذي يتوافق محتواه الداخليّ مع المفاهيم الدينيّة، ومن هنا نراه يقيّم العمل بالدوافع والمقدّمات والأُطر الفكريّة التي تختمر بذرة العمل في ضمن نطاقها، وتنمو تحت ظلالها؛ لذا فهو يرفض المقايسة بين عمل ينطلق فيه الإنسان بدوافع إلهيّة، وآخر بدوافع ذاتيّة شيطانيّة، مهما كانت النتائج عظيمة والعوائد مُرضية؛ ولأجل هذا نجد تأكيداً على الاهتمام بالنيّة، وتحذيراً شديداً من آفات العمل التي تجرّده من قيمته، وتؤدّي إلى خسارة صاحبه رغم جهوده المضنية! ومن هنا نفهم سرّ تأكيد الروايات على التكتّم عند فعل الحسنات، وإخفاء الأعمال الصالحة حرصاً على توفير المقدّمات، تلك التي تبتعد بالإنسان عن مجالات السقوط والتردّي، وتفتح أمامه آفاق الحصول على الكمالات. إنّ الآفات التي تعترض طريق سفرنا نحو ربّنا، وتسلب منّا أجر أعمالنا خلال أيام كدحنا، وتشوّه ما قدّمته أيدينا كثيرة، أهمّها: المنّ على الله تعالى بالطاعات، والإصابة بغرور الحسنات، واستكثار ما يفعله المرء من قُرُبات، وطلب الظهور والسمعة، والرياء والعُجْب الطارد للخشوع والانكسار والدمعة؛ من هنا وجب علينا حراسة إيماننا، وتحصين قلعة نيّاتنا، والحفاظ على بقاء أعمالنا، حتّى منتهى آجالنا، ونهاية أعمارنا، كي نلقى الله تعالى ببياض وجوهنا، وأنوار صحائفنا، علّنا نحظى بألطاف خالقنا، وننال جوار أئمّتنا (عليهم السلام)، وذلك بالتأكيد ليس بالأمر الهيّن، بل هو من العسير الشديد، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «الإبقاء على العمل أشدّ من العمل».(1) ولكنّه ممكن بالاستعانة بالله تعالى، ومحاسبة النفس والتأمّل في كلّ عمل قبل الإقدام عليه، وتشديد الرقابة طلباً لسلامته، منذ بدايته وحتّى نهايته. .......................... (1) وسائل الشيعة: ج11، ص13.