رياض الزهراء العدد 169 لحياة أفضل
أَتُحَاكِي الضَّمِيرَ؟..
قال الله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الروم: 30). خلقَ الله (سبحانه وتعالى) البشريّة بنظام مُعيّن وفطرة سليمة حياديّة تسير باتجاه محدّد، فزوّد الإنسان بالعقل الذي ميّزه عن باقي الخليقة وهو المسؤول عن خلق الأفكار وتحكيم السلوك البشريّ وتوجيهه لإرشاده واقعًا؛ و من ثَمَّ القلب، ذلك الصندوق الذي يُحاكي المشاعر البشريّة ويترجمها إلى شعور يتحقّق بأفعال معيّنة ومختلفة والتي تحدّد ماهيّة الإنسان إذا ما كان صالحًا أو مُفسدًا في الأرض. أمّا الضمير الإنسانيّ فهو نِتاج الثلاثة معًا، فحينما يتواجد العقل الراجح والقلب الطيّب مع الفطرة السليمة سوف ينتُج الوجدان أو ما يُعرف بالضمير، وهو قدرة الإنسان على التمييز فيما إذا كانَ عمل خطأً أم صوابًا، أو التمييز بين ما هو حقّ وما هو باطل، وهو الذي يؤدّي إلى الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الفرد مع قِيمه الأخلاقيّة، وإلى الشعور بالاستقامة أو النزاهة عندما تتّفق الأفعال مع القِيم الأخلاقيّة. فحينما يكون هناك ضمير يكون هناك مراجعة للذات ومراجعة للتصرّفات ولكلّ ما يبدُر من الإنسان، فالضمير الحيّ نعمة يجب أن تُشكر؛ لأهميّته في تقويم سلوك الفرد والمجتمعات، وأينما وُجد الضمير الإنسانيّ تواجدت الرحمة وفعل الخير، وبما أنّ الضمير هو شيء حسّي ينبع من داخل الإنسان فإنّه قد ينعدم أحيانًا عند البعض من البشر وذلك لأسباب نفسيّة أو بيئيّة تتبع التربية ونشأة الفرد، فعندما يغرق القلب في ظلمات الهوى والتكبّر والغرور والانخداع، تعلو الأنا - حبّ الذات - على صوت الضمير الذي يكاد يكون منعدمًا، فإذا علا صوت الأنا على الضمير ذهب العطف على الصغير، وذهب الإحساس بالشيخ الكبير، ونتيجةً لذلك يذهب حقّ مَن حولكَ صغيرًا كان أم كبيرًا. وهناك حديث يدلّ على وجود الضمير، وهو حديث وابصة بن معبد الذي سأل رسول الله (صل الله عليه وآله)عن البرّ والإثم فقال له: «يا وابصة، استفتِ قلبكَ، استفتِ نفسكَ، البِرّ ما اطمأنّ إليه القلب واطمأنّت إليه النفس، والإثم ما حاك في النفس وتردّد في الصدر، وإن أفتاكَ الناس وأفتوكَ»(1)، إذ إنّ الضمير علامة فارقة تميّز البشر عن باقي الكائنات، وانعدامه يُعدّ خطرًا على الفرد نفسه قبل المجتمع الذي هو جزءٌ منه. ونظرًا لأهميّة الضمير الإنسانيّ لا بدّ من المحافظة عليه حيًّا بداخلنا، والحيلولة دون الوقوع في مسبّبات انعدامه وفقدانه، إذ إنّه دليلُ الفطرة البشريّة السليمة ومرساة القلب البشريّ نحو الحياة الصحيحة التي يريدها الله تعالى من خَلْقه لنا. ................................. (1) ميزان الحكمة: ج4، ص3511.