رياض الزهراء العدد 169 لحياة أفضل
الأَمراضُ الشَّافِيَةُ
صخب الحياة يرتفع أحياناً فيُنسينا حقائق عدّة، منها أنّنا ضعفاء وخطّاؤون سهلو التعثّر والتكسّر، فنسود ونتجبّر على أنفسنا قبل أيّ أحد، نُرهق أجسادنا بأعمال والتزامات فوق طاقتها، ونركض صباحاً ومساءً ونحن نقوم بما لم نسأل أنفسنا عن أهميّته، نعتزل الناس لأنّنا لا نمتلك وقتاً لهم، نقسو ونهمل حتّى نمرض، تخور قوانا، وتصبح مواجهة نقاط ضعفنا لا مهرب منها. نحن نكره المرض، نهرب من المرض، نهرع إلى الطبيب حين نمرض، نأخذ أدوية خطيرة ونخضع لعمليات جراحيّة، واضعين حياتنا على المحكّ لكي لا نتألّم، ولكي لا نشعر بالضعف. ثم نمرض مرضًا قويًّا، لا أدوية شافية له، حتّى أبسط الأعمال اليوميّة تمزّقنا، نتهاوى في وادٍ عميق، نريد أن نستغيث بالله (عزّ وجلّ)لنجدتنا، ولا نستطيع، فلم نقم بأعمال صالحة، كنّا مشغولين بأنفسنا كثيرًا، لم نعتنِ بأحد أو نعطف على أحد أو نشارك أحدًا لحظاته السعيدة والحزينة، شخصيّاتنا متغطرسة، متعالية، أنانيّة، زائفة، حينها نُدرك أنّنا كنّا قبل المرض مرضى والآن هو وقت الشفاء. لماذا لم يخبرونا أنّ المرض كان في صالحنا، وإن قسى علينا فهو معلّمُنا الأفضل؟ إنّه ينبّهنا إلى حقيقة الحياة الفانية، إلى بشاعاتنا، إلى أنيابنا ومخالبنا، إلى كلّ تقصيرنا، إنّ المرض يُخبرنا أنّ هناك أحدًا بجانبنا هو مَن يهتمّ بنا وعلينا أن نهتمّ به، وأنّ الدنيا لا تخلو من خير على عكس ما نعتقد، وأنّ الناس أحسن منّا وربّما أقرب إلى الله تعالى. الأمراض شكل من أشكال شفاء الروح، فامتنَّ لها حين تُصاب بمرض في المرّة القادمة، لا تخفْ منها، ولا تتجنّبها.