رياض الزهراء العدد 169 الملف التعليمي
التَّربِيَةُ والتَّعلِيمُ بَينَ المَسؤُولِيَّةِ والتَّقصِيرِ
التربية والتعليم يقومان على ثلاث حلقات أساسيّة لا تنفكّ عن بعضها؛ لأنّ إحداها مكمّلة للأخرى وهي: حلقة الأسرة وأولياء الأمور، والطالب، وحلقة الهيئة التدريسيّة، وانطلاقًا من القاعدة المحمّديّة القائلة: "كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته"، (1)نستنتج أنّ الحلقات الثلاث إن كانت قويّة يزدهر المجتمع، وإن كانت كخيوط العنكبوت، فمصيرها الجهل والتسريب وانهيار المجتمع، وهنا نسلّط الضوء على الهيئة التدريسيّة لدورها الفعّال: لكلّ عصر جيله الخاصّ وبيئته الخاصّة، ونحن الآن نمرّ بظروف استثنائيّة، لهذا أصبح من الضروريّ أن يتكيّف المعلّم مع الجيل الجديد؛ لإحراز التأثير وجذب انتباهه بعد ما تنوّعت المُلهيات والمُغريات، ومن ثمّ سهولة تعليمه، لا أن يتّبع الطرق التقليديّة القديمة التي كان أبرزها ثقافة العنف اللفظيّ والجسديّ. فالقلب هو العامل المباشر والأساس في تلقّي العلوم، مثلما صرّح القرآن الكريم بذلك بقوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق: ٣٧)، وهذه إشارة واضحة إلى أنّ القلب هو مَن يجب التركيز عليه؛ لأنّه المسيطر على بقيّة الأعضاء. لهذا فأوّل خطوة في التربية هو كسب ثقة الطالب مثلما صرّح بذلك علماء التربية، عن طريق تقوية أواصر المحبّة وإقامة علاقة صداقة، أي ببناء علاقة أفقيّة لا عموديّة، مثلما هو حال الرئيس والمرؤوس، فيكون الطالب قد تربّى وتعلّم على حبّ الله تعالى، ففي الشعر المنسوب إلى الإمام الصادق(عليه السلام): تعصي الإلهَ وأنتَ تُظهِرُ حبّهُ هذا لعمركَ في الفِعال بديعُ لو كان حُبُّكَ صادقًا لأَطعتَهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطِيعُ(2) نعم فإنّ ما يهمّنا القلب؛ لأنّه أساس الفقه والتعلّم، مثلما ورد في الذكر الحكيم: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أولئك كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أولئك هُمُ الْغَافِلُونَ" (الأعراف:١٧٩). وهذه هي الخطوة الأولى، ثم نعرّج على الخطوة الثانية، وهي استخدام الطرق التدريسيّة المميّزة لترسيخ المفاهيم في الأذهان، وهذا يتمّ بعدّة طرق، وينبغي الإشارة هنا إلى أنّ المعلّم حينما يحبّ مهنته فإنّه سيُبدع، ويجدر بأن يكون معلّم المراحل الأولى عبارة عن كتلة من الصبر والاحتواء باعتبار أنّ الطالب لا يزال صغيراً ومحتاجاً إلى العاطفة. هذه الطرق تختلف باختلاف المرحلة الدراسيّة وباختلاف الأعمار، ففي عصرنا التكنولوجيّ وتقدّم العلوم نشأت مسؤوليّة جديدة على عاتق الوالدينِ والمعلّمين، ثانياً فالتعليم الإلكترونيّ هو بحر واسع، وينبغي رسم خطط دراسيّة للطالب. حينما نتعرّف على سلبيّات التعليم ينبغي لنا تجنّبها وعكسها بأخرى إيجابيّة من أجل إنشاء جيل همّه طلب العلم من المهد إلى اللحد، لا طلبه لغرض ماديّ أو لطلب منصب ما، وتنشئة جيل مبنيّ على الأخلاق، مثلما يُبنى على العلم، فالمجتمعات لا تحلّق في سماء المجد إلّا بالأخلاق التي نشرها المعلّم الأوّل نبيّنا وحبيبنا محمّد (صل الله عليه وآله) حين قال: "إنّما بُعثتُ لأتِمّمَ مكارم الأخلاق"(3)، وبالعلم الذي يزيدها قوّةً وصلابةً ونورًا. ................................. (1) مستدرك سفينة البحار: ج174، ص1. (2) بحار الأنوار: ج٤٧، ص24. (3) ميزان الحكمة: ج3، ص108.