التِّجَارَةُ مَعَ اللّهِ تَعَالى

منتهى محسن محمد/ بغداد
عدد المشاهدات : 221

لطالما باع البعض ذِممهم بإزاء حفنة دنانير، أو تظاهروا بالولاء أمام بعض الإغراءات الدنيويّة، وسقطوا في امتحان الحياة بكلّ سهولة. ورَكَن البعض الآخر إلى التخلّي عن مبادئهم وقِيمهم، وانضمّوا إلى صفوف الضياع والضلالة وهم يتغنّون بقائدهم (الضرورة)، وقبضوا المقابل البخس ذلّةً وهوانًا. مجّدوا الطغاة والتحقوا مطأطئين الهامات مسلوبي الكرامة في سبيل إرضاء السلطان، كانوا يركضون خلف تسمية بشعة تلقّفوها آنذاك بكثير من اللهفة والشوق تسمّى (الجيش الشعبيّ)، وحالما انقشعت الغبرة وانحسر زمن الطغيان، قذفوها من أفواههم التي تتقاطر غلّاً وخُبثاً وحقداً، وتبرّؤوا منها انسحاباً وانهزامًا. عادلة هي الحياة عندما تقتصّ من الأشرار وتُعيد الجميع إلى مكانتهم الحقيقيّة، وتكشف زيف النوايا والادّعاء، إنّه قصاص المُنتقم الجبّار، أصدق القائلين: (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) (الأنفال:7). وأمام هذه الفئة الهزيلة وُلِدت من رحم المعاناة فئة نذرت نفسها من أجل الدين والمذهب، وقدّمت أرواحها قرابين بدون مساومة أو وعود، كان رعدهم يموج كالصاعقة وهو يكتسح عفونة تلك الأذهان الخاوية من معتقد الدين السليم، برزوا إلى ساحة الوغى بزنودهم السمراء، وقد ارتدوا كفن الشهادة لا يخافون في دين الله تعالى لومة لائم. قدوتهم أصحاب النبيّ الأكرم (صل الله عليه وآله) وأصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) الذين كانوا يهبّون للقتال، ويقدّمون أرواحهم الزكيّة ابتغاء مرضاة الله تعالى بدون أيّ طمع ماديّ أو جاه دنيويّ رخيص. جاء (الحشد المقدّس) درعًا للوطن العزيز، قَدِمُوا من مدن الملح حيث الجوع ونقص الخدمات، ترك بعضهم أطفاله يتضوّرون جوعاً، وأبوا إلّا أن يهبّوا إلى الخدمة تنفيذاً لأمر المرجعيّة الرشيدة التي لَوت ذراع أهل الباطل والضلالة برجالات الحشد الأشاوس، الذين هبّوا صغاراً وكباراً، شباباً وكهولاً، بعدما رموا أثقال الحياة وراء ظهورهم، وتركوا عيالهم في عين الله تعالى، والتحقوا بالقتال وكأنّه حفل زفاف وسرور، أو ساحة ابتهاج وفرح. استأنسوا بالموت استئناس الرضيع بلبن أمّه، ومضوا يحثّون الخُطى، وقد شكّل كلّ واحد منهم أُمّة في صلابته وتحدّيه ورباطة جأشه أمام حفنة أوغاد لا دين لهم ولا معتقد، إلّا مذهب القتل والذبح واستباحة الدماء البريئة. المدهش في الأمرّ والملفت للنظر أنّ جميع الملبّين لدعوة المرجعيّة الرشيدة يجمعهم همّ واحد لا غير، وهو بذل الأنفس بدون أدنى مقابل، مثلما قال تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب:23). وهكذا اختفى نعيق الغربان السود، وانتفى ليلهم الحالك كقلوبهم الحقودة، وأشرقت شمس الحريّة من جديد بسواعد أبناء الوطن الغيارى، فذهب قتلاهم إلى النار، وسيق شهداؤنا إلى الجنّة زرافات زرافات، فـ: (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) (مريم: 73).