شُهَداءُ أَحياءٌ

زينب خليل آل بريهيّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 206

بعدما انقضت تلك الليلة، هدأت أصوات البنادق، وعمّ السكون ليلًا.. هُناك ظلٌّ خفيّ تحت الشجرة، يهمس بآياتٍ من الكتاب العزيز، وضحكاتٍ هادئَة، مُستبشرة وخفيّة، عليّ المكنّى بـ (أبو رضا) ينظر لرفيق دربه مهديّ المكنّى بـ (أبو الفَضل)، حيث تجتمعُ أمنيّتهما معًا، الشهادة بقلبٍ صائم، علّها تكون ليلة أخيرة تنتشلهم من ظلام هذا العالَم من بعد الغرق، رمق أحدهما الآخر بنظرةٍ أخيرة وهمس عليّ ساكنًا: هل تسمع الريح من وراء الزجاج؟ تُطلق صيحة طيرٍ في زمنٍ رطب، وقلبٌ ينبضُ بين الصنوبر والسنديان، على تلّ ذكرى الصيف ينبض على مرفأ تكسوه الغابة، ينتظر قاربًا في الأفق البعيد، على عشبٍ ملوّن بألوان الربيع، أخضَر، أصفر، أحمَر، قُرمزيّ... تائه خلف زهرة عبّاد الشمس، مياههُ ثابتة فوق عشبٍ أبيض، وفي ساحة الحيّ أجراسُ الكنيسة تتسلّقُ كالكرم. والقلبُ ينبض عائدًا من مطر الخريف كالعوسج المُتناثر في القمّة، لقَد بدأ القَمر يبدو لعينيكَ أبعد، همس مهديّ: هُناك فوق التلّ تتناثرُ الرياح، تنتظر خلف النافذة بعد الغسق، وقلبٌ ينبض كالناقوس، مستسلمًا للطبيعة. كانا يطوفانِ بجناحينِ، متأمّلين نظرةً من الحُسين(عليه السلام) وأصحابِه، للالتحاق بهم.. كان انتظارًا سماويًّا يُحلّق بصاحبهِ ليعانق أوامر الله تعالى.. بعدما سقَط الوَرْد من بين أصابعهم، كسقُوط المطر.. وانتظارٍ بلهفَة، وذكرياتٍ محمّلَة بالرّماد.. ففي السّماء لا وقت للنوم، ولا حُزن ولا دمعة.. همس عليّ مُبتسمًا: (أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمرن: 169).