رياض الزهراء العدد 169 منكم وإليكم
الإمامُ الصَّادِقُ (عليه السلام).. وَأَمواجُ الرَّحيلِ
لقد كان الغدر في قلوبهم كقطعه ذهبيّة تدور في أيديهم في الخفاء، تلمع كوهج النار، تخدع البصر والبصائر، تُغرق همساتها الشيطانيّة النفس البشريّة بالكره واليأس والأوهام والغيرة والحسد؛ لتتحوّل تلك النفس إلى كائنات مخيفة في الظلام، مصرّة على المعاصي والذنوب. اليوم يترك ذلك الغدر البغيض بَصمتَه التاريخيّة ليَسقي تلك الشفتينِ الشاكرتينِ لله تعالى على نِعمهِ سمّاً يشقّقهما، وتصهر حرارته أنفاسه المتيقّنة من رحمة الله تعالى، المضاءة بنور التوحيد والعصمة، فلم يظهر نجمه في سماء تلك الليلة - الخامس والعشرين من شوّال -، نجم كان من عادته أن يطلّ بنورهِ و بهاء يفوق كلّ نور، ويتألّق بألق علم إلهيّ لا يخفى أثره عليه، فقد هبّت رياح الموت من قصر (المنصور) محمّلة بسحب مسمومة شديدة الحقد، غطّت بِسَمّها ذلك النجم المبارك؛ لتصبح المدينة مظلمة تهزّها أصوات الرعد، و تزلزل قلوب النائمين الغافلين؛ لتُصبح لياليهم القادمة عذابًا لا يمكن للشمس أن تمحو آثاره المؤلمة بفَقْد الإمام الصادق (عليه السلام) إلّا حين تتوقّف السماء عن أمطارها، وتتنفّس أرض الله نسيم النسيان، وأنّى لها النسيان وقد باتت من بعد الفاضل الذي كان لها مصدراً للحياة، حجراً للحطام، فأصبح الكون الفسيح ضيّقًا لا يكاد يتّسع حتّى الأنفاس التي كانت تندمج بنبضه القدسيّ، فمَن يُحيي الدين ورسالة النبيّ محمّد(صل الله عليه وآله) ؟ مَن سيتصدّى للبدع والأفكار المنحرفة؟ مَن سيحافظ على ذلك الخطّ الجعفريّ الذي أسّسه الإمام الصادق (عليه السلام) بحكمته امتداداً لميراث الأنبياء؟ فقد عاد اليُتم من جديد عاصفًا بساحات آل محمّد (صل الله عليه وآله) ليُدرك الكاظم (عليه السلام) أنّ مصيره مشابه لمصير الآباء، فيحمل هو أعباء الرسالة التي كان الإمام الصادق (عليه السلام) يُظلّلها بدوحته الجعفريّة، ويحمل إليها الرحمة المحمّديّة في سخاء وعطاء؛ لتبقى ذكراه فينا حيّة تشعّ بنور الهداية، ويستنير بها كلّ مَن أراد الفوز في تعرّجات الدروب.