جَنَّةُ الغَرقَدِ

رسل عبد السلام الأسدي/ بغداد
عدد المشاهدات : 141

عُرفت بجنّة البقيع، تلك المقبرة الأساسيّة لأهل المدينة المنوّرة التي سُمّيت بهذا الاسم نسبة إلى شجرِ الغرقد المزروع هناك، تضمّ تلك المقبرة الآلاف من الرُفاة ممّن عاصروا الرسول (صل الله عليه وآله)ومَن بعده، ولا تزال تحتضن الموتى إلى يومنا هذا ولكن في الجهة المقابلة. شهدت مراقد أهل البيت (عليهم السلام) المتواجدة في البقيع هدمينِ عبر سنوات متباعدة، وفي كلّ مرّة كان الهدم يثير الغضب لدى شيعة آل البيت (عليهم السلام)، ولكن لم يكن ذاك الغضب كافيًا ليردع ذلك الفعل الشنيع أو حتّى يؤدّي إلى تراجع مَن قاموا به. فالهدم الأوّل كان في عام (1220هـ) وعلى يد آل سعود -الوهابيين- بقيادة سعود بن عبد العزيز، مع نهب ما كان في المدينة من آثار وكنوز ومقتنيات ثمينة، وقام الاحتلال العثمانيّ للدولة الإسلاميّة بإعادة إعمار المراقد الشريفة من جديد بأموال التبرّعات التي كانت تُصرف من الدول الإسلاميّة المجاورة، ولكن لم تكن الآيات القرآنيّة الكريمة والأحاديث النبويّة الشريفة كفيلة بأن تجعل أبناء الطلقاء يتيقّنون بأنّ حبّ آل البيت (عليهم السلام) من جذور حبِّ محمّد (صل الله عليه وآله)، وفي الوقت ذاته لم تكن محاولاتهم لطمس التشيّع مجدية؛ ولأنّ تلك الرحاب تضمّ الجسد الطاهر لأحد سيّديّ شباب أهل الجنّة الإمام الحسن (عليه السلام)، فلم تستطع تلك الثلّة من تكوين حائل بين أسباط الرسول (صل الله عليه وآله) وبين محبّيهم. شهدت تلك الأرض الطاهرة هدماً آخر في الثامن من شهر شوّال في عام (1344هـ) من قِبل الوهابيّين بحجّة أنّ المسلمين يتّخذونها مكانًا لعبادة غير الله(عزّ وجلّ)، وتشبيههًا بالأصنام، متناسينَ أهميّة تشييد تلك القبور واحترام قدسيّتها، مثلما ذُكر في القرآن الكريم: (كَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا) (الكهف: 21)، متغافلين عمّا فعلوا، ومتغافلين أيضاً عن حقيقة أنّ الصدّيقة الطاهرة وسيّدة نساء العالمين (عليها السلام) لا يمحو رسالتها فأس شخص يَدّعي المحبّة والولاء للنبيّ (صل الله عليه وآله)، بل حتّى لا يمحو بمقدار ذرّة ما نشره الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) من علم، وما نقله الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) من مآثر وحِكم من عاشوراء، وإثبات حقيقة ألّو كانت تلك المراقد من تراب أو حتّى بلا شاخص يدلّ عليها فلن يقلّل ذلك من الشأن الذي لهم عند الله (عزّ وجلّ)وعند محبّيهم. وبغضّ النظر عمّا يحتويه القبر من أنوار فلن يكون بقيمة ما يحتويه من وصيّ أدّى رسالة الله (عزّ وجلّ)على أتمّ وجه، وأنّ استمرار الممهّدين في تطبيق سننهم كفيل بإحياء أمرهم إلى يوم يبعثون.