الفَوائِدُ التَّربَوِيَّةُ لِلأَمراضِ وَالعِللِ (جَائِحةُ كُورونا مِثالاً)

أ.م.د عبير عبد الرسول التميميّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 209

يتّصف الله (عزّ وجلّ)بصفات الجمال والكمال، وهي صفات ثابتة في ذاته المقدّسة وأفعاله، ومنها: العلم والقدرة والعدل والحكمة، وقد خلق عالم الإمكان بأفضل صورة وأكملها، وجعل الإنسان خليفته في أرضه، وأمره بإعمارها وأن يسير على طريق الحقّ والعدل. مع أنّنا نلاحظ وجود المصائب والبلايا والأمراض الفتّاكة والكوارث الطبيعيّة والأمراض المزمنة والعُقم، وهي بأجمعها قد يُتصوّر أنّها تتنافى مع هذه الغاية وتضادّها، مع أنّ الفاعل الحكيم لا يصنع ما يضادّ غرضه، للأسباب الآتية: أوّلاً: إنّ المصالح النوعيّة راجحة على المصالح الفرديّة، ولا شكّ في أنّ الحياة الإنسانّية حياة اجتماعيّة، فهناك مصالح ومنافع فرديّة، وأخرى نوعيّة اجتماعيّة، والعقل الصريح يرجّح المصالح النوعيّة على المنافع الفرديّة، وعلى هذا فما يتجلّى من الظواهر الطبيعيّة لبعض الأفراد في صورة المصيبة والشرّ، فهي تكون متضمّنة لمصلحة النوع والاجتماع في الوقت عينه، فالحكم بأنّ هذه الظواهر شرور تنافي مصلحة الإنسان، ينشأ من التفات الإنسان إليها من منظار خاصّ والتجاهل عن مصلحة الآخرين. الثاني: جهل الإنسان ومحدوديّة علمه يدفعه إلى أن يقضي على الحوادث بتلك الأقضية الشاذة، وقد وصف الله تعالى قول المؤمنين قائلًا: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران: 191). الثالث: الغفلة عن القِيم الإنسانيّة العليا، وهي أنّ الحياة الإنسانيّة ليست حياة ماديّة فقط، بل للإنسان حياة روحيّة معنويّة، وعلى هذا الأساس فالحوادث التي توجب اختلالاً ما في بعض شؤون الحياة الماديّة ربّما تكون عاملاً أساسيّاً لتوجّه الإنسان إلى الله (سبحانه وتعالى) مثلما قال سبحانه: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة: 216). الرابع: المصائب وليدة الذنوب والمعاصي، فالإنسان مسؤول عن كثير من الحوادث المؤلمة، وقد قال سبحانه: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41). الخامس: حكمة البلايا في حياة الأولياء تظهر عن طريق القرآن الكريم بأنّ البلايا والمِحَن ألطاف إلهيّة في حياة الأولياء والصالحين لوصولهم إلى المقامات العالية، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*× الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة: 155). نخلص إلى أنّ المصائب على قسمين: فرديّة ونوعيّة، محدودة ومطلقة، ولأعمال الإنسان دور في وقوع المصائب والبلايا، وهي جميعاً موافقة للحكمة وغاية الخَلق، فإنّ الغرض من خَلق الإنسان وصوله إلى الكمالات المعنويّة الخالدة، وتلك المصائب جرس إنذار للغافلين، وكفارة لذنوب العاصين، وسبب لارتقاء الصالحين وعلوّ درجاتهم. إذن جائحة كورنا التي طالت معظم دول العالم ومنها بلدنا العراق الحبيب ماهي إلّا اختبار إلهيّ، فيجب أن نكون على وعي دائم وإيمان كامل وأن نعالج الأمور بتعقّل ورويّة، وأن نسير على وفق ما يمليه علينا الواجب الدينيّ والوطنيّ والإنسانيّ في وجوب المحافظة على النفس، والأخذ بطرق الوقاية والامتثال للقوانين وعدم مخالفتها، فضلاً عن التكاتف الاجتماعيّ ومساعدة المحتاجين، واستثمار وجودنا بالمنزل للقراءة والدراسة والدعاء والصلاة وقراءة القرآن الكريم، والتقرّب من الأسرة بروابط المحبّة والاحترام، ونقدّم صورة ناصعة للعالم لما يحمله هذا البلد من أخلاق رفيعة ووعي كبير.