رياض الزهراء العدد 169 صحة العائلة النفسية
مُشَاحَناتُ الوَالِدَينِ وأَثرُها في الأَبناءِ
إنّ الأسرة هي الخليّة الأولى والأساس في جسم المجتمع، إذ إنّها تتكوّن من مجموعة من الأفراد يجتمعون معاً ويتفاعلون فيما بينهم، يرتبطون بعواطف مشتركة تقوم على الالتزام المتبادل بينهم، وعلى المودّة والرحمة والاحترام والتقدير والتسامح والتفاهم الذي يؤدّي إلى استقرار الأسرة، وينعكس إيجاباً على الأبناء، أمّا إذا تعرّضت الحياة الأسريّة في بعض الأوقات إلى مواقف ومسائل محرجة، فأنّها تتطلّب حلّاً مباشراً وسريعاً، ولكن إذا تفاقمت هذه الخلافات والمشاكل والمشاحنات فإنّها تنعكس سلباً على الأبناء في مراحل الطفولة المختلفة - المبكّرة، المتوسّطة، والمتأخّرة -، إذ إنّ الطفل يتأثّر لأنّه رقيق جدّاً، ولا يدرك حقيقة الخلاف الموجود بين والديه، فيبدأ بالبكاء والتوتّر والقلق ويصاب ببعض الاضطرابات، وإذا استمرت هذه المشاحنات أمامه فإنّها قد تؤدّي إلى العديد من المشكلات النفسيّة والجسديّة، منها تدنّي المستوى الدراسيّ، والانعزال الاجتماعيّ والابتعاد عن الآخـــــــــرين، والخوف الزائد من أيّ مـــؤثّر خارجيّ، والشعور بعدم الأمـــــان، وضعف الشخصيّة، واضطرابات النوم والأرق، والإصــابـــــــــــــــة بالاكتئاب، وفقـــــــــدان الشهيّة أو الإصابـــــــــــة بالشَرَه الغذائــــــــــــيّ، والعصبيّة الزائدة، واللجوء إلى العنف واستخدام الألفاظ السيّئة مع أصدقائه تأثّراً بالوالدين، والقيام ببعض السلوكيّات غير الأخلاقيّة عند الكبر، فضلاً عن عدم القدرة على بناء علاقة زوجيّة ناجحة عندما يكبر الطفل في بعض الأحيان. إنّ المشاحنات الزوجيّة قد تحدث نتيجةً لعدد من الأسباب، منها تعرّض الأسرة للضغوط الاقتصاديّة المتمثّلة بعدم القدرة على تأمين احتياجات الأسرة، وتأثير الأصدقاء والأقارب وتدخّلهم بالشؤون الداخليّة للأسرة، أو التباين الفكريّ والعاطفيّ بين الزوجين، أو غياب الاحترام المتبادل بينهما، ولجوئهم إلى استخدام العنف والألفاظ السيّئة، فضلاً عن الجهل بخصائص مراحل النموّ العمريّة المختلفة للأبناء ومتطلّباتها. إنّ على الآباء والأمّهات أن يعرفوا أنّ الحياة الزوجيّة لا تخلو من الخلافات والمشاحنات، والتي ينبغي لهم معالجتها بهدوء وبدون انفعال؛ كي لا تؤثّر في الأبناء وتبقى معهم طوال حياتهم، وذلك باتّباع خطوات، منها تقبّل طباع الطرف الآخر ومحاولة إرضائه والاستماع له، والصراحة بين الزوجين التي تجعل الطرف الآخر مطمئنّاً ومبتعداً عن الشكوك والظنون، والابتعاد عن الكذب والغشّ، والاحترام المتبادل من قِبل الطرفين، وحلّ المشكلات بهدوء، وإذا تعرّضت العائلة لمشكلة ما، فيجب التفاهم بينَ الزوجين بهدوء بدون أيّ صراخ، وقد يحتاج الزوجان إلى المساعدة والنصيحة الخارجيّة من متخصّصين في العلاقات الزوجيّة أو أحد أفراد العائلة، وبخاصّةً إذا كانَ الطرفان صغيرين في العمر وزواجهما جديدًا ولا يُدركانِ تصرّفاتهما بسبب عدم فهمهما للأمور الزوجيّة بطريقة صحيحة. وأخيراً علينا أن نعي أنّ الله (سبحانه وتعالى) خلق آدم (عليه السلام)، وخلق منه زوجه ليسكن إليها، وجعل بينهما مودّة ورحمة لإعمار الكون عن طريق تكوين الأسرة السعيدة بعيداً عن المشاحنات الأسريّة بقوله تبارك وتعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21).