نَسِيمُ صَادِقِ العَلَوِيِّينَ
لكلّ إمام من الأئمّة حياته الزاخرة بالعلم والاجتهاد، والكثير من المعجزات التي يعجز العالم عن تلخيصها، ومن هؤلاء الأئمّة الأعلام الإمام الصادق (عليه السلام) الذي كانت له إشارة مميّزة في حياته بين سلالة المعصومين الأطهار (عليهم السلام)، وذلك يعود إلى الأساس الذي أقامه في زمنه حيث أرسى عماد الدين القويم، وقد تخرّج على يده أفاضل العلماء الذين انتشرت أسماؤهم بكثرة بين مذاهب المسلمين، وقيل عنه إنّه فاق جميع أقرانه من أولاد الأئمة (عليهم السلام)، وهو ذو علم غزير وزهد في الدنيا وورع تامّ عن الشهوات وأدب كامل في الحكمة(1)، ولا يخفى أنّ الإمام (عليه السلام) كان يواجه تيّارات غير محدودة من المتطرّفين وأصحاب الأفكار الخاطئة، فكانت مدرسته وعلمه قد غُرِسا بيديه في زمنه، ولا تزال فروعهما تمتدّان إلى يومنا هذا على الرغم من مرور الكثير من العقود عليها. كان الإمام الصادق (عليه السلام) محفوفاً بالمخاطر من كلّ جانب ومن السلطة الحاكمة المتمثّلة بالعباسيّين الذين استقرّ حكمهم آنذاك، لأنّ الإمام (عليه السلام) كان له صيته ومحبّيه المنتشرين في بقاع الأرض، وهذا الأمر بنظرهم كان يهدّد مُلكهم حتّى أنّ الإمام(عليه السلام) كان ينعى نفسه، و كان حزنه بسبب التضييق المستمرّ عليه، ويشتكي ألمه ونحوله حتّى قال: «عزّت السلامة حتّى لقد خَفِي مطلبها، فإن تكن في شيء فيُوشك أن تكون في الخمول، فإن طُلِبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون في الصمت، فإن طُلِبت في الصمت فلم توجد، فيوشك أن تكون في التخلّي، فإن طُلبت في التخلّي فلم توجد، فيوشك أن تكون في كلام السلف الصالح، والسعيد مَن وجد في نفسه خلوة يشتغل بها»(2). كان الحاكم بين حينٍ وآخر يدعو الإمام ليقابله بجميع أنواع الشتائم، ولم يكن كلّ استدعاءٍ له إلّا لمحاولة قتله (عليه السلام)، لكن مشيئة الله تعالى حالت في كلّ مرّة دون قتله. حتّى سارت الأيّام بثقلها على الإمام (عليه السلام) واستشعر بدنوّ أجله وأوصى بوصاياه إلى أبنائه، وأوصى بالإمامة إلى ولده الإمام الكاظم (عليه السلام)، حتّى جاء اليوم الذي صمّم الحاكم العباسيّ على قتل الإمام(عليه السلام)، فدسّ إليه السمّ على يد عامله، ولمّا تناوله أحسّ بحرارته واستُشهد سلام ربّي عليه مظلوماً حزيناً في الخامس والعشرين من شهر شوّال، وقد ثُلمِ العالم به ثلمةً قد ألّمت الكبير والصغير، فالسلام على شيبته المباركة وعلى روحه الطاهرة المطهّرة. .............................. (1) الإمام الصادق(عليه السلام) والمذاهب الأربعة: ص158. (2) شرح إحقاق الحقّ: ج١٢، ص٢٢٧.