للظَّلامِ حِكَايةٌ

رقيّة عاشور التقيّ/ البحرين
عدد المشاهدات : 229

لهبّات نسائم الصباح الحانية وهي تحتضن ذاك الغصن الطريّ الذي لم يشتدّ عوده بعدُ، وقد بدا الشحوب يعلو محيّاه، وتتقاطر حبّات العرق ملبّدة أطرافه، مصفّدة أنفاسه، مجفّفة أعماقه، قارعة لطبول نبضات قلبه، إنّ لها لسحرًا يُفتح به كلّ محجوب. فقد ينغلق الطفل على نفسه وهو يسمع حكاية مسخ الجمادات، وتحوّلها إلى وحوش مفترسة تأكل كلّ مَن تخلّف عن الامتثال، بل إنّ البشر لتُمسخ هي الأخرى حينما تقف الأمّ صارخةً في وجه طفلها وهي لا ترى كيف تمثّلت له وبأيّ شخصيّة مرعبة من الشخصيّات الكارتونيّة التي يشاهدها في البرامج والحكايات، فالصوت قد اختلف والشكل كذلك! صدمة نفسيّة تعتري الطفل قد لا تنتهي في وقتها، بل تتحوّل إلى رهاب يتفاقم مع عدم الاستقرار النفسيّ والعائليّ، ممّا يزعزع ثقته بنفسه، ولا سيّما حينما يتعرّض للنقد والسخرية والتوبيخ، وسنّ القوانين المتناقضة التي تعجزه وتشلّ حركته. أمّا ساعات النوم، فإنّها الكابوس الأعظم الذي لا يحتاج فيه إلى أن يغمض عينيه ليراه، إذ إنّ الكوابيس كلّها تحضر بمجرّد ذكره، أمّا هدوء الليل فإنّه مسكن لدبيب النمل العملاق وهو يطأ أذني ذاك المسكين، مخبراً عن تواجده في المكان، بعد أن تحوّل المكان من صخب وضجيج مستمرّ لم ينقضِ إلّا بكبس زرّ الإنارة لإطفائها، وإعلان رفع الستار لعرض الفيلم المرعب الذي يعيشه الطفل كلّ مساء كلّما طُلب منه الخلود إلى النوم، وهو يحاول الهروب منه. وما إن ينجلي الظلام حتّى تعود له الحياة وتعود الحكاية مثلما هي، بين إهمال للموضوع أو تعزيز له بسخرية وتشكيك، أو بشكوى وتعنيف، بدون البحث عن السبب وتداركه، فالطفل لا يستطيع فصل الواقع عن الخيال، ولكن ما إن نجعله يُلقي بنظرة تحت السرير أو الغطاء أو الخزانة في الظلام ليتأكّد بنفسه من خلوّ المكان ممّا يتخيّله، فسيبدأ الفصل بالتدريج، مع الاستعانة بضوء ليليّ خافت أو ترك باب غرفة الطفل مفتوحًا قليلًا، وتهيئته للاستعداد للنوم بتوفير الأجواء المناسبة، وتخفيف الضغوطات عليه والابتعاد عن الحكايات والبرامج المخيفة؛ فكلّ ذلك كفيل بحلّ المشكلة، مع لمسة حانية وحضن دافئ، فيجب احترام خوف الطفل وعدم السخرية منه، وعدم إجباره على الاستماع إلى حكاية مرعبة لأيّ غرض، لأنّه في حالة طغيان الخوف على الطفل، ستتحوّل الحكاية تعذيبًا وليست متعة.