رياض الزهراء العدد 169 ألم الجراح
إكليلُ الأَملِ للبقِيعِ
في النفس آلاف الحسرات والآهات تقضّ مضجع الفؤاد.. وأنّى له السكون وجروح مدينتي سامرّاء لا تندمل.. فلا تزال تلك الشامخة الأبيّة التي لا تهزّها أقسى الصعاب تصرخ بصمتٍ وتُخفي شهقتها الحزينة.. وكأنّها تغازل حزنها وتسامره فيؤنسها، ولا يُوقف زحفه أو يصدّ كتائب الخيبة من تسلّق أركانها سوى بسمة ثغر من قلوب مؤمنة تأوي إلى أعتاب ضريحها، فتنتشي أنحاء المرقد المقدّس بهمسات الشكر والدعاء.. واليوم ينبض قلب مدينة الانتظار بخفقات عالية متزامنة مع نبضات أرض البقيع فيتناجيان بأصواتهما الهادئة وأحزانها المشتركة وتتعانق همومهما على مشارف الأنوار.. وتحرّك الذكرى حسرةً تلوّعت في كلّ ركن من أركان تلك البقاع الطاهرة.. التي لاتزال مصدراً مشعًّا بأنوار العبادة، عابقة باليقين.. فيغمرهما دفء الأمل، وتشمّ في عبير مناجاتهما عبق الأئمة الأطهار (عليهم السلام).. فتنزوي الهموم خجلاً من ضياء تلك الأنوار القدسيّة.. لكنّ ظلال ما جرى على البقيع، ومشاهد الدمار والأنقاض وأصوات الأنين والنحيب التي لاحت في السماء زاد من أنين سامرّاء، واستعرت فيها زفرة الجزع الحارقة، فأحالت الحياة فيها إلى جماد صامت وزرعت شوكاً في صحراء النفوس، وأخذت أرواح أفناها سبات الدنيا تنهش أجساداً طاهرة سُلبت كلّ أدوارها سوى أن تكون هي الحبل المتين للجنان.. بقيع الغرقد مرقد الأطهار الميامين، اسم أحال ليالي سامِرّاء إلى ظلام طويل، كسر فيها السند ولفّها بحنان ملكوته، فاض بها ألقًا لتتصاعد بين السماء والأرض بجنح الإيمان. تشعّ بذاك الحنين الأزليّ إلى الحقّ المبين لتُدرك بنور الحكمة أنّ ما جرى عليها أشبه بما جرى للبقيع من طمس وتمويه وما أشبه اليوم بالأمس.. فلا يزال قادة الاضطهاد يجنّدون الرجال ليدوّنوا عليها ما تشتهيه أنفسهم الدنيئة.. لكنّ يد القدر الرحيمة التي رفعت سامرّاء إلى عليّين وحوّلت وجوم شوارعها إلى بسمة اطمئنان.. ومدّت شعاعها المشرق لينفذ إلى الأبصار والبصائر كفيل بأن يجعل شمس البقيع تشرق من جديد.. مهما غطّاها السحاب ومهما تضافرت الأعاصير على إخفاء نورها.. عندها هدأ الروع عنها وسكنت الشجون ومُسحت الدموع وانتشر في زوايا البقيع أمل جديد.. يرتقي إلى حيث ترتقي النفوس المطمئنّة بالإيمان.