التَّشَيُّعُ الوَجهُ البَارزُ للإسلامِ
ينظر البعض إلى التشيُّع وكأنّه جزءٌ غريبٌ نما على جسم الدين الإسلاميّ نتيجةً لما أفرزته الصراعات السياسيّة، أو الجدالات الفكريّة والكلاميّة، بل وادّعى البعض أنّه ما وُجِدَ إلّا ليشقَّ عصا المسلمين، فيما حكم عليه آخرون بأنّه: (مأوىً يرجع إليه كُلُّ مَن أراد هدمَ الإسلام).(1) والحقُّ أنَّ التعصّبَ الأعمى هو ما دفعَ إلى كُلِّ تلك الأقوال، وذلك لوضوحِ تاريخ التشيُّع جليّاً عند كلّ منصفٍ ومعتدلٍ، فالأطروحات العقديّة والفكريّة التي بُنيَ عليها التشيُّعُ هي ذاتُها الأطروحاتُ الإسلاميّة، إذ إنَّ من أبرزها استمرارَ القيادةِ الدينيّةِ بالإمامة بعد النبوّةِ، ولو عُدنا إلى تاريخ هذه الأطروحة لما وجدنا لها إلّا تاريخَ الإسلامِ نفسه. فلم يدعُ الرسولُ الأكرمُ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإسلام إلّا وقد أردفه بدعوته إلى الإمامة، بل إنّ الدعوتين بذرةٌ واحدةٌ غرسهما (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده الكريمة معاً في الكثير من المناسبات، فعندما أمره الله تعالى بالإنذار: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) (الشعراء: 214)، أنذر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عشيرته، ودعاهم إلى الإسلام مثلما دعاهم إلى الإمامة قائلاً: "إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا".(2) وأكّد على فكرة الإمامة في أهمِّ المناسبات، في الحربِ أو السلمِ، حتّى أوضح مفهومها، ورسمَ حدودَها في الكثيرِ من الأحاديثِ، أهمّها: حديث المنزلة، وحديث الثقلين، وحديث السفينة، وحديث النجوم، وحديث الغدير وغيرها، متأسيّاً في ذلك بالله (سبحانه وتعالى) الذي أكّد على ولاية الأئمة (عليهم السلام) بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووجوب طاعتهم في الكثير من الآيات كآية التطهير، وآية الولاية وآية إكمال الدين وغيرها. ومعلومٌ أنَّ التشيُّعَ يعني مشايعة الإمام عليّ (عليه السلام) ومناصرته واتّباعه، وقد كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أول مَن أطلق على أتباع الإمام عليّ (عليه السلام) ومناصريه مصطلح الشيعة، فقد أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ، قال: "كُنّا عند النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): قد أتاكم أخي، ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده، ثمّ قال: والذي نفسي بيده إنَّ هذا وشيعتَه لَهُم الفائزون يوم القيامة. ثمّ قال: إنّه أوّلكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهدِ الله (سبحانه وتعالى)، وأقومكم بأمر الله تعالى، وأعدلكم في الرعيّة، وأقسمكم بالسويّة، وأعظمكم عند الله (سبحانه وتعالى) مزيّة، قال: ونزلت: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (البيّنة: 7)، قال: فكان أصحاب محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أقبل عليّ (عليه السلام) قالوا: قد جاء خير البريّة".(3) وفي معجم الطبرانيّ بإسناده إلى ابن عبّاس قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يدخلُ الجنّةَ من أمّتي سبعون ألفاً بغير حساب. فقال عليّ (عليه السلام): مَن هم يا رسول الله؟ قال: هم شيعتكَ وأنتَ إمامهم".(4) وقد جمع العلّامة الدكتور أحمد الوائليّ (قدس سره) نماذج من الروّاد الأوائل في التشيُّعِ من كتبِ الرجال، فكانوا مائة وثلاثة وثلاثين، كُلُّهم من الرعيل الأول من الصحابة الذين عُرِفوا بتشيُّعِهم وولائهم للإِمام عليٍّ (عليه السلام).(5) وأخيراً لا ينبغي العجب من تسليم الروايات المتقدّمة وغيرها من دخول الشيعة الجنّة، فإنّ الشيعة باصطلاح الروايات هم مَن تميّزوا بخصال حدّدها الأئمة (عليهم السلام) في رواياتهم، منها رواية الإمام الباقر (عليه السلام) نقتطعُ منها للإيجاز ما كان جامعاً مانعاً من صفاتهم: "فَوَ اللهِ مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى الله وَأَطَاعَهُ".(6) ...................................... (1) فجر الإسلام: ص297. (2) تاريخ الطبريّ: ج2، ص321. (3) تاريخ مدينة دمشق: ج٤٢، ص371. (4) المناقب: ص235. (5) هويّة التشيُّع: ص33وما بعدها. (6) الكافي: ج2، ص74.