الصَّبرُ

آمال شاكر الأسديّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 286

من أبرز الأخلاق الوارد ذكرها في القرآن الكريم، حتّى لقد زادت مواضع ذكره فيه عن مائة موضع، فكلّ الأخلاق تعتمد عليه، وصدورها منه، وهذا يدلّ على ارتباط الدين الإسلاميّ بالصبر، وإن اختلفت الأسماء اتّحد المعنى؛ فالحياة بحرٌ متلاطم من الأمواج يغرق فيه الإنسان إن لم يركب سفينةً شِراعها الصبر، تلك السفينة توصل راكبها إلى ميدان النصر، وترسو به على شاطىء الأمان. والصبرُ لغةً: (الصاد والباء والراء) أصولٌ ثلاثة: الأول الحبس، والثاني أعالي الشيء، والثالث جنسٌ من الحجارة. فالأول: وهو الحبس، يقال: صَبْرتُ نفسي على ذلك الأمر، أي حبستُها. والمصبورة: المحبوسة على الموت، وأمّا الثاني فقالوا: صُبْر كلِّ شيء أعلاه، وأمّا الأصل الثالث فالصُّبرة من الحجارة: ما اشتدَّ وغلُظَ.(١) واصطلاحاً: قوّة مقاومة الأهوال والآلام الحِسِّيَّة والعقليّة.(٢) "ويدعو القرآن المؤمن إلى التحلّي بالصبر لما فيه من فائدة عظيمة في تربية النفوس، وتقوية وزيادة قدرة الإنسان على تحمّل المشاقّ، وتجديد طاقته لمواجهة مشكلات الحياة وأعبائها".(٣) وجعله الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من الإيمان، فقال: "الإيمان نصفان، نصف في الصبر ونصف في الشكر".(٤) وللصبر قيمة عظيمة تكمن في رسم الانتصار وتحقيق الهدف، فالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لأجل تبليغ الرسالة وإعلاء كلمة الدين تحمّل أشدّ أنواع الأذى والعذاب من قِبل المشركين، لكنّه كان يواجه كلّ ذلك بسلاح الصبر؛ لأنّه يعلم أنّ ثمرة صبره الظفر، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "الصبر يعقّب خيراً فاصبروا تظفروا".(٥) والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فالإنسان يستطيع العيش من دون بعض أعضاء جسمه، لكنّه لا يستطيع العيش من دون رأس، والأئمة (عليهم السلام) هم المَثَل الأعلى في الصبر، فهذا الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: "صبرتُ وفي العين قذىً وفي الحلق شجاً".(٦) وهناك قاعدة ثابتة لكلّ مَن يمتثل لأمر الاستعانة بالصّبر وهي أنّ الله مع الصابرين يؤيّدهم ويثبّتهم ويقويهم ويؤنسهم ولا يدعهم يقطعون الطريق وحدهم ولا يتركهم لطاقتهم المحدودة وقوتهم الضعيفة إنّما يمدّهم حين ينفذ زادهم ويجدّد عزيمهم حين تطول بهم الطريق، لا سيّما طريق الطاعة. ومن ثمرات الصبر أنّه يؤدّي إلى سدّ الطريق أمام أيّ نوع من الوسوسة للدخول إلى القلب؛ لأنّ الصبر الكثير يملأ كلّ زوايا القلب، فلا يدع مجالاً للوهم والخيال والوسوسة، وهذا يستتبع الاتّصاف بثبات الأقدام، وأنّ ثمرة الصمود والثبات النصر على الأعداء، والصبر لوحده لا يجلب النصر بالقفزات، بل يجب أن يكون الإنسان الصابر ثابت الجَنان والقدم أيضاً، وإلّا فالإنسان الساكت الخامل ليس صابراً. إنّ الصابر هو الشخص الذي يتواجد في أتون الأحداث، ويلمس مشكلاتها، ولا يترك الميدان، ومثل هذا الصبر هو الذي يثمر ثبات القدم، وثبات القدم بدوره يثمر النصر.(7) .......................................... (1) معجم مقاييس اللغة: ج3، ص329. (2) الإفصاح في فقه اللغة: ج1، ص66، ويُنظر: المرام في المعاني والكلام: ص507. (3) أثر القرآن الكريم في الأمن النفسيّ: ص157، ص158. (4) بحار الأنوار: ج٧٤، ص١٥١. (5) بحار الأنوار: ج٧١، ص٦٩. (6) نهج البلاغة: ص15. (7) تسنيم في تفسير القرآن: ج١١، ص٦٩٣-٦٩٤.