إِنْ لَم تَكُنْ ذِئْباً

خلود ابراهيم البياتي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 279

أحببتُ أن أتوقّف هنيهةً عند إحدى المقولات التي أخذت حيّزاً لا يُستهان به من الموروث الفكريّ لدى الكثير من المجتمعات، بل وأصبحت وكأنّها جزءٌ من القِيم والمفاهيم المتأصّلة والمتجذّرة التي ترسم خارطةً لطريقِ التعامل مع الآخرين. كثيراً جدّاً ما يطرق أسماعنا جملة: (إن لم تكن ذئباً، أكلتكَ الذئابُ)، وهي تُقال من باب النصيحة لشخص تمّ الاعتداء على حقوقه مثلاً، أو تُذكر كقيمةٍ تربويّة ثمينة تُقدّم من الأبوينِ أو القائمينَ على رعاية الطفل، ويكون الهدف منها بناء شخصيّة قويّة تطالب بالحقوق ولا تسمح بضياعها، ولكن.. هل توقّفنا قليلاً عند تلك المقولة، وما تحمله في كنفها؟ هل لنا أن نتمعّن في حروفها وإلى ماذا تروم عند الاقتناع بها والسير وَفقاً لمفادها؟ وأيّ مجتمع يتكوّن في ظلّ أفراد تتنامى لديهم تلك المعاني والأهداف؟ ولماذا يظلّ الأفراد يسيرون على خطوات الآخرين وكأنّهم مسيّرون، ويضعون العقل والتفكير على جانب ولا يعطونه حقّه في عمليّة الفلترة لكلّ ما يرد عليه؛ كي تتمّ تنقية الأقوال والأفعال التي نسمعها ونراها، هنا أقول إنّه وجب علينا أن نقف ونشذّب هذا الموروث، ونزيل كلّ ما يشوّه الحياة، ونقتفي أثر الجميل والنافع منه، مثلما قال رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): "يا أيّها الناس إنّما هما نجدانِ: نجد خير، ونجد شرّ، فلا يكن نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير".(1) وبالعودة إلى المقولة المُتناقلة، نرى أنّ المجتمع وقع بين براثن ذلك الذئب المفترس، فكانت النتيجة ولادة أفكار مشوّهة تضجّ بالعنف والانتقام من كلّ شخص لا تتناسب أفكاره مع ما يدور في مخيّلتنا، فيكون الردّ هو الأقوى تحت ذريعة عدم السكوت عند الحقّ، وهنا يطرق مسامعنا أيضاً: (خُذ حقّك بذراعكَ) ليكون التصادم هو الحلّ لأبسط الخلافات بين الأفراد، وبعدها يأتي التساؤل الغريب.. لماذا كلّ هذا العنف المستشري بين الأطفال على سبيل المثال؟ وتناسينا أنّ ما تزرعه اليوم، لابدّ لكَ من أن تحصده عاجلاً أم آجلاً، حيث إنّ بثّ تلك المقولة والتمسّك بها بصفتها دستوراً راسخاً يؤسّس لفكرة مفادها أنّ كلّ مَن حولي يتحيّنون الفرصة للانقضاض عليّ، وأنّي الفريسة القادمة، وعليه يجب أن أكون أنا بالقوة الكافية، ليس للدفاع عن النفس فحسب، بل للجهوزيّة الكاملة في اقتناص الفُرص والنيل من الآخر، ويا له من مجتمع مليء بالتوتّر والخوف من الآخر وتوقّع الشرّ، ومجرّد الكتابة عن هذا الموضوع يثير التوتّر لدى الكاتب والقارئ، فكيف به عند التطبيق العمليّ على أرض الواقع؟! ولكي نتمكّن من العيش بسلام وراحة نفسيّة، يجب علينا أن نحسن استخدام العقل الذي هو منبع الأفكار، وجالب الراحة، ومثلما قال الإمام الصادق (عليه السلام): "أكمل الناس عقلاً أحسنهم خُلُقاً"(2)، فأساس التعامل في الحياة هو تمنّي الخير للآخر؛ لنيل رضا الله (سبحانه وتعالى)، وليصلني الخير أيضاً بطريقة أو بأخرى، ولنا في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأسوة الحسنة في توقّع الخير من المقابل، وحُسن الخُلُق مع الجميع مهما اختلفت الأفكار أو الرؤى، ولكي نتمكّن من العيش بسلام، يجب علينا التفكير مليّاً قبل تبنّي ما يرد علينا، وترقّبْ الخير والسعادة؛ ليحيطكَ التفاؤل من كلّ حدب وصوب. ........................................ (1) تحف العقول: ج95، ص7. (2) الكافي للكلينيّ: ج1، ص29.