(وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ)(1)

منى إبراهيم الشيخ/ البحرين
عدد المشاهدات : 204

ناهد: أستاذة، هلّا أرشدتني إلى آية من كتاب الله تعالى تطمئنّ بها نفسي وتسكن؟ فاطمة: الطمأنينة منّة إلهيّة يستحقّها مَن قصدها واستعدّ لتلقّيها. قال تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلّا مِنْ عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال: 9-10)، الطمأنينة نزلت على قلوب البدريّين. ناهد: ما سبب هذه الطمأنينة يا تُرى؟ فاطمة: سببها عاملانِ: نصرة دين الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والتضرّع والاستغاثة بالله تعالى. ففي معركة بدر وقف ثلّة من المؤمنين بثبات أمام ما يفوقهم بثلاثة أضعاف من حيث العدّة والعدد. والنتيجة كانت غلبة ساحقة للفئة القليلة على الفئة الكثيرة المجهّزة بالعدّة. ناهد: ما السبب الذي جعل المسلمين ينتصرون؟ فاطمة: السبب وضوح الهدف وقدسيّته، والبصيرة النافذة، والاستماتة في نصرة الدين، والذوبان والعشق لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). هذه النصرة الصادقة استنزلت الطمأنينة الإلهيّة على قلوبهم واستحقّوها بعد هذا الموقف، ولذا قيل إنّ الملائكة نزلت لتطمئن قلوب المؤمنين وتزيد من عزمهم، ومن هنا يمكن أيضاً أن نكتشف كيف تفعل الطمأنينة بصاحبها، وتزيده قوةً وعزماً أضعاف قوته العاديّة الطبيعيّة، بينما افتقد كفّار قريش هذا العنصر، فكان نصيبهم الهلع والقلق والرعب. ثمّ الاستغاثة والتضرّع بالله فتقول الآية الكريمة: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ)، حصلت استغاثة وتضرّع، ثم استجابة من الله وبشرى واطمئنان لقلوب البدريّين. ورُوي عن الإمام عليّ (عليه السلام)، أنّه قال: "لمّا كان يوم بدر قاتلتُ شيئاً من قتال، ثمّ جئتُ مسرعاً لأنظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما فعل. قال: فجئتُ، فإذا هو ساجد يقول: يا حيّ يا قيّوم، يا حيّ يا قيّوم، لا يزيد عليها، فرجعتُ إلى القتال. ثمّ جئتُ وهو ساجد يقول ذلك أيضاً. فذهبتُ إلى القتال. ثمّ جئتُ وهو ساجد يقول ذلك، حتّى فتح الله عليه".(1) ناهد: ما أقصر هذا الدعاء وما أسرع الاستجابة! فاطمة: نعم، في بدر كان هناك تضرّع واستغاثة فكانت طمأنينة في القلوب، والمتضرّعون آمنون مطمئنّون، وعلى المؤمنين أن يعيشوا التضرّع في كلّ الظروف، في الشدّة والرخاء وحال الفقر والغنى. ناهد: ما التضرّع؟ فاطمة: التضرّع هو قسم من الدعاء، وله كيفيّة خاصّة ذكرت الروايات بعض صوره، والجامع بينها هو رفع اليدين والتضرّع بهما في أثناء الدعاء، وقد رُوِي أنّ أبا قرّة قال للإمام الرضا (عليه السلام): ما بالكم إذا دعوتم رفعتم أيديكم إلى السماء؟ فقال (عليه السلام): "إنّ الله استعبد خلقه بضروبٍ من العبادة... - إلى أن قال - واستعبد خلقه عند الدعاء والطلب والتضرّع ببسط الأيدي، ورفعها إلى السماء لحال الاستكانة علامةَ العبوديّة والتذلّل له".(2) والمؤمن لا ينتظر الابتلاء والمصائب حتّى يتضرّع إلى الله، فقد كان دأب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام) رفع اليدين متضرّعين في أدعيتهم، مثلما جاء في دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة، فقد رُوِي أنّه (عليه السلام) رفع يديه تِلقاء وجهه كاستطعام المسكين. فالتضرّع وإظهار العبوديّة والتذلّل للقوة المطلقة والقدرة اللامتناهية، هو اللجوء إلى كهف حصين، وهذا اللجوء يمنح اللاجئ هدوءاً وطمأنينة وشعوراً بالأمان. يتبع... .............................. (1) الأنفال: (10) (2) الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام): ج٢، ص.٣٠٢ (3) وسائل الشيعة: ج ٤، ص٤٩١.