رياض الزهراء العدد 170 لحياة أفضل
مِن ذَاكِرَةِ الأَمسِ
يُقال: بينما تستغرق في النسيان تقتلكَ ذكرى عابرة، لا تزال ذاكرتي معبّأة بتفاصيل ذلك المنزل العتيق الذي يضمّ في كلّ زواياه حفنة من عطر الألفة والمحنة، وليالي الوداد.. أجزم بأن لا أحد من الإخوة لا يحتفظ بجزء في مخيّلته عن البيت في الذاكرة، أو البيت القديم، بيت الحيّ. فقد كان ذلك البيت ظاهراً، مرتفعاً بوالدينا - في نظرنا- عن بقيّة البيوتات، حتّى أصبح نقطة دالّة في نظرنا ونظر رفاقنا.. أمّا في جوفه، فقد كان يحتضن أحلاماً وحكايات، وحفنةً من أسرار المنازل المعتّقة عبر الزمن، وفيضاً من حنان الأهل، ووفاء الإخوة، وريعان الشباب الجميل الممتزج بالتوق إلى الأحلام، كان يطلّ على سكّة موازية لقطار عتيق، يقتطع نومة (آب) المودعة تحت نسيم نخيل أعالي الفرات الذي كان هو الآخر يجاور ثنائيّة البيت ومحطّة القطار.. كنتُ لا أخشى صوت القاطرة التي تنبئ بوصول القطار، فقد أدركتُها منذ نعومة أظفاري، وكبرتُ معها، وهو ما يميّز الغريب عن القريب في الحيّ الذي يحتويه بيتنا. أعود إلى الحديث عن المنزل، فقد انسلختُ عنه بعدما كان حافلاً بالضحكات والليالي الموجعة والجميلة معاً إلى منزل آخر، ومن ثمّ إلى بيت زوجي، ولكن هذا الأثر كان شاهداً على طفولتنا.. هذه الأجزاء من شريط الذاكرة لا تزال تتجدّد في أحلامنا إلى الحدّ الذي يجعل ذلك المنزل فضاءً لكلّ رؤيا تزورني في المنام، رغم توالي محطّات العمر على ذاكرتي.. ففي البيت الكبير هنالك عطر الطفولة الذي يجعلنا نستسقي الدروس والعِبر، وتخطّي المِحن.