رياض الزهراء العدد 170 لحياة أفضل
النَّحلَةُ مَخلُوقَةٌ نَشِيطَةٌ
مع إشراقة كلّ صبح جميل تهبّ إلى العمل، تنتقل من زهرة إلى أخرى لتصنع العسل، شِعارها التعاون ودِثارها الأمل، مخلوقة مباركة تحدّث عنها الكتاب العزيز، وضُرب بها المثل، تُرى لِمَ لا نكون مثلها في عملها ونشاطها، ودقّتها وهمّتها، وجميل صُنعها وعظيم أثرها؟ كوني كالنحلة.. سلسلة مقالات هادفة، تأخذكم في جولة رائعة إلى عالم النحل العجيب، و تدعوكم إلى العمل الدؤوب. يذكر العلماء أنّ مجتمع النحل من أنشط المجتمعات على الإطلاق، فحياته كلّها عمل ونشاط وسباق، فمنذ خروج النحلة إلى عالمها، تبدأ بتنظيف نفسها بمساعدة النحلات الأكبر سنّاً منها، ثمّ تقوم بأعمال الخدمة، وتنظيف جدران الخلية، وتعقيم العيون السداسيّة بواسطة صمغ النحل بشكل تعجز عنه أحدث المستشفيات العالميّة. وفي اليوم الثالث من حياتها تقوم بتغذية أخواتها اليرقات، وبعد اليوم الثاني عشر تنضج عندها الغدد الشمعيّة، وتصبح قادرة على إفراز الشمع وبناء الأقراص الشمعيّة، وعندما تبلغ الثمانية عشر يوماً من عمرها، تبدأ مهمّة الحراسة لخليّتها، وعندما تتمّ الواحد والعشرين يوماً تنطلق خارج الخليّة لجمع الرحيق، فحياتها حركة دائمة ومسؤوليّات متواصلة، ونشاط وعمل؛ لذا فإنّ رسالتنا من عالم النحل اليوم: نعم للنشاط.. ولا للكسل. حثّ الإسلام أتباعه على الحركة والنشاط والحيويّة، ودعا أبناءه إلى تحمّل المسؤوليّة وارتداء حلّتها البهيّة؛ لأسباب عديدة تنهض بالإنسان لتوصله إلى ذُرى الكمال والعبوديّة، فبالنشاط يؤدّي المرء واجباته الدينيّة والاجتماعيّة، وكلّما كثر نشاطه وحركته، وأخلص لله تعالى في كلّ ذلك نيّته، زاد خيره ونتاجه وعمّت بركته، ووصل إلى الدرجات الرفيعة؛ لأنّ: "قدر الرجل على قدر همّته"(1)، مثلما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام). والفرد النشيط الدؤوب في عمله لا يرضى لنفسه بدنايا الأمور وسفاسفها، بل يتوق إلى خير الأعمال وأفضلها؛ لذا فهو يستفيد من حياته أعظم استفادة، ويتّخذ من أيامه سُلّماً للسموّ والريادة، يحارب الكسل والخمول، ويرى عواقبه الوخيمة التي تهدم العمر، وتحول دون الوصول إلى كلّ شيء جميل، ويُفهم جيّداً مراد الإمام الباقر (عليه السلام) حيث يقول: "إنّي لأبغض الرجل - أو أبغض للرجل - أن يكون كسلاناً عن أمر دنياه، ومَن كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل".(2) وحتّى نخلق في أنفسنا حالة النشاط والحيويّة، لا بدّ من أن نفهم معنى الحياة ونشعر بالمسؤوليّة؛ فمتى فهمنا أنّ الحياة فرصة قصيرة، وهي بمثابة قاعة امتحان كبيرة، ندخل فيها لنجيب عن بعض الأسئلة ونتعرّض لشيء من الاختبارات العسيرة، وأنّ كلّ نَفَس يُنذر بقرب سحب ورقة الامتحان، وبعدها يكرّم المرء أو يُهان، حينها سنُسخّر كلّ دقائق حياتنا للإجابة عن أسئلة اختباراتنا، مع وجل ورجاء يخامر ذواتنا، وأمل ودعاء بتسديد خطواتنا، وتفكير عميق بتطوير القادم من أيامنا بالشكل الذي يرضي خالقنا ويسرُّ قلب إمام زماننا (عجل الله تعالى فرجه الشريف). ............................ (1) ميزان الحكمة: ج3، ص285. (2) ميزان الحكمة: ج9، ص30.