رياض الزهراء العدد 170 لحياة أفضل
زَوبَعَةُ الفَردَانِيَّةِ
يظنّ الناس أنّهم يعيشون بمفردهم، وهذه الظنون تتنامى في ظلّ الحياة الحديثة السهلة، فيمكن للجميع أن يلازموا المنزل لأشهر من دون لقاء أحد، فالطعام يمكن تجميده أو حفظه كمعلّبات، ويمكن تسديد الفواتير عن طريق الإنترنت، ويمكن طلب كلّ شيء من المواقع من أيّ مكان في العالم، ويمكن العمل من المنزل، وممارسة الرياضة في المنزل، والوصول إلى الكُتب التي لا يمكن الوصول إليها حتّى عندما يبحثون في محيطهم، هذا هو عالمهم الذي يظنّون أنّهم يعيشون فيه بمفردهم. فإن كنتَ لا ترى شخصاً ما، فلا يعني أنّه غير موجود، إنّ البشر باعتقادهم أنّهم بمفردهم مخطئون، فعامل التوصيل، والموظّف الذي يردّ على اتّصالاتهم ورسائلهم، والموظّفون الذين يقومون بصناعة إعلانات لعرضها عليهم، والموظّفون الذين يديرون المواقع ويطوّرون التطبيقات، وأساطيل ضخمة من وسائل النقل لاستيراد البضائع وتصديرها، والمصرفيّون الذين يحرصون على أن يتمّ كلّ شيء بدون تعقيد، كلّ هؤلاء جزء من عالمهم بشكل يوميّ. على الناس أن تعي أنّها تعتمد في الوقت الحالي على البشر أكثر من أيّ وقت مضى، وما أن تعي ذلك ستبدأ بتقدير الجهود، والمساهمة في هذه المنظومة المترابطة الكبيرة. ما يحتاجه عالمنا اليوم هو التقدير، تقدير الآخرين: وجودهم، آرائهم، مشاعرهم، وتقدير جهودنا وإسهاماتنا، قد تعتقد أنّ كتابة التقارير يوميّاً أمر مملّ، أو أنّ الإجابة على الاتّصالات أمر قليل الأهميّة، لكن فكّر معي، كيف يمكن أن يبدو الأمر من بعيد؟ فأنتَ جزء من سلسلة أكبر، وإن ضعفت جهودكَ أو توقّفت، ستنقطع السلسلة، أنتَ تغيّر حياة الآخرين، بينما يغيّر الآخرون حياتكَ، وأنتَ تستحقّ الأفضل والآخرون كذلك.