رياض الزهراء العدد 170 الملف التعليمي
التَّعلِيمُ الإلكترونيُّ بينَ الوَاقِعِ وَالطُّموحِ
مرّت العمليّة التعليميّة في العراق بأزمة تشمل كافّة مقوّماته، من الملاك التدريسيّ والطلبة إلى النظام التعليميّ والمناهج الدراسيّة ووسائله، والمستلزمات الدراسيّة إلى الأنظمة الإداريّة وغيرها، فضلاً عن التطوّر السريع الحاصل في العمليّة التعليميّة والذي لم يواكبه العراق بسبب الظروف القاسية التي مرّ بها البلد خلال العقود التي مضت من حروب وتغيّرات سياسيّة وأزمات اقتصاديّة تركت آثارها الوخيمة في كافّة ميادين الحياة، ومنها قطاع التعليم العالي والتربية، وبسبب التغييرات المتعدّدة وما يمرّ به العالم الآن من أزمة صحيّة وجائحة تهدّد كافّة جوانب الحياة، ارتأت بعض الدول تطبيق نظام التعليم الإلكترونيّ لضمان سير العمليّة التعليميّة والتقدّم الدراسيّ للطلبة، وبما أنّ العراق - وبسبب ما أوردنا من عوامل- كان متأخّراً في الجانب التكنولوجيّ والعلميّ أدّى ذلك إلى أنّ العمليّة التعليميّة الإلكترونيّة لا تحقّق السبل والأطر المطلوبة منها، شأنها شأن نظيراتها من الدول الأخرى، حيث يواجه التعليم الإلكترونيّ في العراق تأخّراً بارزاً وتخبّطاً في تحقيق الأهداف؛ لأنّنا ومثلما نعلم أنّ التعلّم يمثّل بيئةً متكاملةً تضمّ المعلّم والمنهج، وطريقة التدريس، ووسيلة الإيضاح والقياس والتقويم عن طريق استخدام الوسائط التعليميّة، ففي الظاهر أنّ التعليم الإلكترونيّ يمثّل بيئة تعليميّة تقدّم المعلومات عبر آليّات الاتّصال الرقميّة الحديثة كالحاسوب، والهاتف النقّال، مستخدمة نظم الوسائط المتعدّدة أو الوسائط المتعدّدة التفاعليّة، أو الوسائط الفائقة لتقديم المعلومات، وبتصميم يتفاعل مع المتعلّم، ويلبّي ميوله واحتياجاته، ولكن في العراق الموضوع مختلف تماماً، حيث إنّ البُنى التحتيّة المتدهورة في البلاد وغيرها من الجوانب أدّت إلى عدم تحقيق التعليم الإلكترونيّ لدوره المرجوّ، وذلك بسبب مجموعة أمور، في مقدّمتها الضعف الحاصل في المحتوى التعليميّ والمتمثّل بتصميم المادّة التعليميّة من قِبل المعلّمين، والذي يجب أن يكون مراعياً للاحتياجات التعليميّة للطلاب، وتحديد الأهداف والوسائل المناسبة لتحقيقها، وأدوات لقياس مدى التعلّم والتغذية الراجعة، إضافةً إلى أنّ جاهزيّة المعلّم لاستخدام التكنولوجيا الحديثة في عمليّة التعلّم تكاد تكون ضئيلة، وهذا ليس انتقاصاً منهم، ولكنّه واقع فرضه الاكتشاف المتأخّر لكثير من أجهزة التكنولوجيا والتطبيقات، وكان من هؤلاء مَن استشعر أهميّة الالتحاق بركبها، فتعلّمها واستخدمها، ومنهم مَن ظنَّ أنّه في غنىً عنها، فضلاً عن العامل الآخر المهمّ جداً والمرتبط بالطالب، وهو توافر التكنولوجيا لدى الطلبة، حيث يعدّ توافر التكنولوجيا عاملاً مهمّاً لنجاح فكرة التعلّم الإلكترونيّ، فبدونه سيغدو الأمر مجرّد حلم، وهناك مستويات مختلفة لهذا التحدّي، حيث يعدّ توافر الأجهزة وشبكة الإنترنت وسرعته وحُزَمه، كلّ منها يعدّ تحدّياً بذاته، أو مجتمعاً مع الأخريات، فقد يتوافر للطالب أو حتّى المعلّم الجهاز إلّا أنّه قد لا تتوافر لديه خدمة إنترنت أساساً، وإن توافرت فقد تكون بطيئة، أو ربّما بحزمة غير كافية لتغطية عروض الفيديو والموادّ ذات الحجم الكبير. فهذه العوامل المقتضية، وعوامل أخرى تكاد تكون عائقاً مباشراً في طريق تحقيق التكامل في العمليّة التعليميّة الإلكترونيّة، وتحول دون تطوّرها في العراق.