رياض الزهراء العدد 170 منكم وإليكم
غَزوَةُ بِني قُريظَةَ مَحَكُّ الإِيمانِ وَالتَّقوَى
يظهر معدن المرء عندما تحاصره الظروف الصعبة، وبخاصّة عندما يكون على المحكّ، وينجلي أكثر إذا كان الأمر يتعلّق بمسائل العقيدة والدين ونصرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم). وغزوة بني قُريظة كانت محكّاً رئيساً لاختبار إيمان المسلمين بانقيادهم التامّ وطاعتهم المطلقة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في أشدّ الظروف قسوةً عاشها المسلمون في أثناء معركة الأحزاب، بدءاً من تحشيد الأحزاب على المسلمين، وحفر الخندق في ظلّ البرد القارس، والجوع والنصب والمرابطة حوله لصدّ هجوم الأحزاب، حتّى غدر بنو قُريظة بالحلف والعهود والمواثيق مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي ظلّ هذا الظرف الحرج - بلحاظ القوة العسكريّة التي يتمتّع بها بنو قريظة، إضافة إلى الموقع الجغرافيّ لقِلاعهم التي تشكّل ثغرة من خلف جيش المسلمين-، أرسل (صلى الله عليه وآله وسلم) وفداً إلى بني قريظة للتحقّق من نقضهم العهود ومساندتهم للأحزاب بعد هجومهم على ذراري المسلمين ونسائهم، ودَهْم واختطاف لحرس المسلمين في المدينة، فشتموا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشتموا الوفد وأعراضهم. مثلما أنّ هجوم بني قريظة من الخلف والمسلمون في حالة حرب مع الأحزاب ممّا جعل المسلمين بين طرفي كمّاشة في ظرف استثنائيّ صعب، فأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بنقل النساء والأطفال إلى مكان آمن، بينما عمل على انهزام الأحزاب وتفرّقهم بمبدأ (الحرب خدعة) بإيقاع الخلاف بين اليهود والأحزاب وتفرّقهم. وفي ظُهر ذلك اليوم الذي تفرّقت فيه الأحزاب، أتى جبرائيل إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن وضع سلاحه، فقال له: "فما وضعت الملائكة السلاح بعدُ، وما رجعت الآن إلّا من طلب القوم، إنّ الله (سبحانه وتعالى) يأمركَ يا محمّد بالمسير إلى بني قريظة فإنّي عامد بهم فمزلزل بهم"،(١) فأمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس بأنّ مَن كان منهم سامعاً مطيعاً فلا يُصلّينَّ العصر إلّا ببني قريظة، ودفع الراية إلى الإمام عليّ (عليه السلام)، وهي لم تُحلّ بعدُ منذ رجوعهم من معركة الخندق.(٢) تحدّد الأمر الإلهيّ بهلاك بني قريظة بتوجّه المسلمين الذين لم يستريحوا بعدُ من عناء معركة الأحزاب، ليتوجّهوا مباشرة إلى حصار قِلاع بني قريظة، وتحدد أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كذلك لمَن كان سامعاً ومطيعاً لله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصلّي العصر في بني قريظة. وفعلًا برزت طاعة المسلمين التامّة لله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فبعضهم قد صلّى العصر هناك وبعضهم صلّى المغرب وبعضهم صلّى العشاء، رغم تعبهم عقب معركة الخندق، وحاصروا قلاع بني قريظة خمسةً وعشرين يوماً(3)، استمرّت فيها المفاوضات حتّى فتح الله على يد الإمام عليّ (عليه السلام) باستسلام بني قريظة. وفي حقيقة الأمر لولا التزام المسلمين التامّ لأمر الله تعالى وقيادة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والسمع والطاعة، لما تحقّق نصرهم على آخر حليف قوي للمشركين في المدينة، ودكّ آخر معاقلهم. ولو تأمّلنا قليلاً لوجدنا أنّنا نعيش الآن أجواء غزوة بني قريظة حديثة بكلّ تفاصيلها، فالأحزاب حشّدت كلّ قوّتها وطاقاتها لمحاربة الإسلام والمسلمين، والماسونيّة اليهوديّة قد دخلت مدننا وبيوتنا بإعلامها المضلّل، وأذرعها الأخطبوطيّة التي أحكمت قبضتها على كلّ مفاصل حياتنا، وأصبحنا بين طرفي الكمّاشة، فلا حلّ لنا سوى السمع والطاعة لأوامر الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإمام زماننا (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، الذي لو تمسّكنا بتعاليمه وقيادته مهما بلغنا من النصب والتعب، وحاربنا المخطّطات الماسونيّة اليهوديّة بالوعي والإيمان، سننتصر حتماً وهو ما وَعَدنا الله تعالى به في آخر الزمان على يدي الإمام الحجّة (عجل الله تعالى فرجه الشريف). .................................. (1) أعيان الشيعة: ج1، ص266. (2) مغازي الواقديّ: ج١، ص٤٩٧. (3) البرهان في تفسير القرآن: ج21، ص248.