رياض الزهراء العدد 170 منكم وإليكم
صَقلُ الشّخصِيّةِ بالمَسؤُولِيّةِ
إنّ مهمّة تربية الأبناء من أسمى المهامّ التي تُناط بالأبوين، وهي النعمة التي خُصّ الإنسان بها دون سائر المخلوقات، فممّا يجب أن نلتفت إليه أنّ مفهوم التربية لا يُراد به مجرّد الرعاية والعناية بالصغار، إذ إنّ كلّ كائن حيّ يُرزق بالأولاد مجبول بفطرته على حبّهم وتقديم الدعم والمساعدة والحفظ من الأذى والتصدّي لحمايتهم. ففي الوقت الذي نجد الإسلام أوجب الإنفاق الماديّ على الأولاد وأوجب حقوقهم على الآباء، قد أولى تربيتهم والاهتمام بشخصيّتهم اهتماماً أكبر، قد تجلّى بدءاً من وضع معايير خاصّة بالأمّ التي سيولدون منها حين طلب مواصفات خاصّة في الزوجة، وانتهاءً بمواصفات اللبن الذي يرتضعونه، فقد خصّ مَن ينبغي أن تُسترضع بخصائص؛ ليكشف أنّ ما أراده من التربية أمراً أكثر عمقاً ممّا يبدو لنا. ففي الحقيقة هي رعاية للجانب المعنويّ، وتنمية للشخصيّة الإنسانيّة، ليصبح الولد أكثر نضجاً في المجال الفكريّ والسلوكيّ، ومن أهمّ ما أراد الإسلام تحقيقه في تربية الفرد هو صقل شخصيّته في المرحلة الانتقاليّة ما بين الطفولة والاستقلال، تأهيلاً لمرحلة حاسمة في حياة كلّ فرد. أمّا كيف ينجح الأهل في ذلك، فإنّه لا يمكن أن يقتصر على التعليم النظريّ، بل لابدّ من صقل الشخصيّة بالمسؤوليّة العمليّة، وذلك عن طريق تكليفه بمسؤوليّات تتناسب مع سنّه، وتتلاءم مع قدراته، ليشتدّ بذلك عوده المعرفيّ ويكتسب الخبرة والخُلق في آن واحد. ولاشكّ في أنّ المقصود من التكليف بالمسؤوليّات لا يعني مجرّد توجيه الأوامر إليهم بأن أفعل كذا، أو اترك كذا، بل يجدر بالأبوينِ المسايرة وتقييم الأداء، وتحسين مواطن الإخفاق، وتعزيز جوانب النجاح، وكلّ ذلك يكون بالمكافأة والمجازاة على الإنجاز، وفتح آفاق أخرى أمامه يطوّر بها مهاراته عند الإخفاق، كالتطرّق إلى ذكر شخصيّات ناجحة في المهمّة، وكيف وصلت إلى هذا النجاح، وأهمّ الأسباب التي من الممكن أن تكون هي المؤثّرة في الفشل؛ لكي لا ينتهي تكليفه بالإحباط والإحساس بأنّه شخص لا يُعتمد عليه. فإن نجح الأهل في ذلك، فإنّهم ينتقلون به إلى شخصيّة متمكّنة من التفاعل بشكل ميدانيّ أكثر صلة بالمجتمع، ولا يكون شخصيّة هشّة لا تدير نفسها، بل تتقبّل مهامّ الحياة الأكبر حجماً والأكثر تعقيداً.