رياض الزهراء العدد 170 منكم وإليكم
ثَالِثُ العَلِيّينَ
تولّى الإمامة بعد أبيه موسى بن جعفر (عليه السلام)، وهو الإمام الثامن من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، نشأ وتعلّم وعلا شأنه في بيت علويّ طاهر، وهو ثالث العليّين بعد أمير المؤمنين (عليه السلام) وزين العابدين (عليه السلام)، وقد امتلك صفات آبائه وأجداده بأكملها، فتخلّى عن زينة الدنيا وبهرجها، ومذ تقلّده زمام ولاية العهد تمثّلت السياسة بأروع صورها في عهده رغم ما قدّمه المأمون العباسيّ له من تنازل وخضوع، إذ رشّحه لأغراض سياسيّة، منها القضاء على ثورات الشعب التي كانت في ظلّ الحكومة العباسيّة، وقد امتنع الإمام عن قبول الولاية؛ إلّا أنّ استجابته لقبول ولاية العهد كانت على مَضض، فقد وضع المأمون شروطاً لتولّيه الحكم. وقد شهد له خصومه بحقٍّ العطاء في العلوم والمعرفة، وحاله كحال أجداده منذ إمامنا الصادق (عليه السلام) الذي يعدّ واضعاً لأسس علم الكيمياء وقوانينه وسائر العلوم. ويذكر المؤرّخون أنّه سُئِل الإمام الرضا (عليه السلام) عمّا يقارب عشرين ألف مسألة فأجاب عنها كلّها، وكانت في مجملها أسئلة عامّة؛ لكنّ جوابه (عليه السلام) كان جواب الخبير المتخصّص في ذلك العلم، ومن بينها المناظرات التي جرت في عهد المأمون فدوّنها تلامذته. وسُمِّي الإمام الثامن بـ (عليّ) تيمّناً و تبرّكاً باسم جدّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام). وأبوه الإمام موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وأمّه تسمّى (تُكتم)، وهي من أشراف العجم، جارية مولّدة من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها (حميدة). قال الشاعر فيه (عليه السلام): ألا إنّ خير الناس نفساً ووالدا ورهطاً وأجداداً عليّ المعظّم أتتنا به للعلم والحلم ثامنا إماماً يؤدّي حجّة الله تكتم(2) وقد اشتهر الإمام بألقاب عديدة، منها: الرضا، وقيل: إنّ المأمون هو مَن منحه هذا اللقب؛ لأنّه رَضِيَ به و جعله إماماً لعهده، وفنّد الإمام الجواد (عليه السلام) أمام أصحابه هذا الرأي قائلاً: ".. بل الله تبارك وتعالى سمّاه الرضا؛ لأنّه كان رضىً للهِ (سبحانه وتعالى) في سمائه ورضىً لرسوله والأئمة (عليهم السلام) من بعده في أرضه، قال الراوي: ألم يكن كلّ واحد من آبائكَ الماضين (عليهم السلام) رضىً لله تعالى ولرسوله والأئمة (عليهم السلام)؟ فقال: بلى، فقلتُ: فَلِمَ سُمّي أبوكَ بينهم الرضا؟ قال: لأنّه رَضِيَ به المخالفون من أعدائه كما رَضِيَ به الموافقون من أوليائه، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه (عليهم السلام)، فلذلك سُمّي من بينهم الرضا (عليه السلام)"(2)، ولُقِّب بالصابر؛ لصبره على المحن والشدائد، والزكيّ، وسراج الله (سبحانه وتعالى) وقرّة عين المؤمنين، والصدِّيق، والفاضل، والرضيّ، والوفيّ. وقد خصّ الله تعالى إمامنا الثامن بمناقب عديدة ممّا يدلّل على علوّ قدره، ورقيّ شأنه، وكان من عادة الإمام (عليه السلام) حين وروده إلى بيت المأمون أن تبادر الحاشية بالسلام عليه. ............................................ (1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج2، ص22. (2) المصدر السابق: ج2، ص25.