"مَن زَارَها عَارِفاً بِحَقِّهَا فَلَهُ الجَنَّةُ"(1)
في زيارتها الأخيرة إلى طبيبتها، قالت لها: لا يوجد حلّ طبيّ لمشكلتكِ، أنا آسفة. خرجت وهي منهارة، فشعور الأمومة يراودها، وفكرة أنّها عاجزة عن أن تكون أمّاً تشعرها بالجنون، شعرت بحزن عميق وتمزّق قلبها، وظلّت على هذه الحالة معتزلة الناس في غرفتها لعدّة أيام، بعدها اتّصلوا بها ليبلغوها بانتهاء إجازتها. استيقظت صباحاً وكانت كجثّة بدون روح وملامحها حزينة، مكسورة القلب لا تستطيع الخروج من هذا الشعور المؤلم، وبينما وصلت إلى عملها، أخذت تُنهي عملها المتراكم بدون أيّ شغف، والجميع لاحظ غياب الابتسامة من وجهها، وبدت ملامح اليأس عليها، جاءت إحدى الزميلات وكانت توزّع الحلوى على الجميع، وصلت إليها فقالت: ما المناسبة؟ قالت: ألا تعلمينَ أنّ اليوم غرّة شهر ذي القعدة؟ أجابتها: وماذا يعني ذلك؟ قالت: اليوم ولادة السيّدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، والأخت الشقيقة للإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام)، ألم تزوريها؟ قالت: لا، لم أزرها.. -: عجباً! لماذا لم تزوريها إلى الآن! ففضل زيارتها كبير جدّاً، ووردت روايات في فضل زيارتها (عليها السلام) عن ثلاثة من الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، فقد قال الإمام الرضا (عليه السلام): "مَن زارها عارفاً بحقّها فله الجنّة".(2) وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "إنّ لله حرمًا وهو مكّة، ولرسوله حرماً وهو المدينة، ولأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، ولنا حرماً وهو (قم)، وستدفن فيه امرأة من وُلدي تسمّى فاطمة، مَن زارها وجبت له الجنة"(3)، وقال الإمام الجواد (عليه السلام): "مَن زار قبر عمّتي بقم فله الجنّة"(4). أخذت الحلوى وراحت تفكّر بتأثير هذه السّيدة الجليلة، فلمجرد الحديث عنها انشرح قلبها وأحسّت بشعور جميل، رفعت رأسها إلى السماء، ودعت ربّها أن يستجب دعاءها بزيارتها، وفعلاً استجاب الله (سبحانه وتعالى) لها، وكانت في أول يوم من شهر ذي الحجّة في حرم السيّدة المعصومة (عليها السلام)، دخلت مع حجيج الناس وانفصلت عن كلّ مَن حولها وكانت تشعر بصدق أحاسيسها تجاهها، نزلت دموعها فرحاً مهلهلة بهذا المنظر الرائع، وقفت متأمّلة حضرتها الجميلة، وكأنّها في روضة من رياض الجنّة، وبدأت بقراءة زيارتها (عليها السلام): "..اللّـهُمَّ إنّي أسْألُكَ أنْ تَخْتِمَ لي بِالسَّعادَةِ فَلا تَسْلُبْ مِنّى ما أنـَا فيهِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلّا بِاللهِ الْعَلِىِّ الْعَظيمِ..".(5) بكت كثيراً عند هذه العبارة، ووقفت في أحضان حضرتها وهي ترمي آخر لحظات أحزانها، وصيحات يأسها، فكانت هذه الزيارة بمثابة الذهاب إلى جنّة الخلد، خرجت من ضريحها والضحكة لم تفارق وجهها، فمَن زارها وعرف حقّها فعلاً أحسّ بهذا الشعور، ولم يخرج زائر منها إلّا والسعادة تملأ قلبه، وبعد مرور عام على زيارتها كان مرادها قد تحقّق، وأصبحت أمّاً بعد أن يئس جميع الأطبّاء من ذلك. فلا شكّ في أن يكون للسيّدة فاطمة المعصومة (عليه السلام) مكانة كبيرة عند ربّ العالمين، ولها منزلة جليلة حيث جمعت الفضائل والمناقب والكمالات، ونالت المحبّة في قلوب الشيعة والموالين. هي الدوحة العلويّة النقيّة الطاهرة، ومن حفيدات الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وبناتها الطيّبات العالمات المحدّثات المهاجرات اللاتي اختصّهنّ الله تعالى بملكة العقل والرشاد والإيمان والثبات، والعزيمة والفداء والتضحية، وأودع فيهنّ العفّة والطهارة، وبواعث القوّة والحقّ والغلبة والكمال.. ............................. (1) مستدرك الوسائل: ج10، ص 277. (2) المصدر السابق نفسه. (3) بحار الأنوار: ج48، ص317. (4) ميزان الحكمة: ج4، ص213. (5) فاطمة المعصومة، قبس من أشعّة الزهراء (عليه السلام): ص181.