سِرَاجُ اللّهِ (عزّ وجل)

صفيّة جبّار الجيزانيّ/ بغداد
عدد المشاهدات : 205

لقد خلق الله تعالى لمنظومة الكون الماديّة شمساً تمنح الطبيعة الضوء والحرارة، فتتغذّى وتنمو منها، وقد وصف الله تعالى الشمس بأنّها (سراج) في قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا) (الفرقان: ٦1). وكذلك فقد جعل للمنظومة الإنسانيّة شمساً تُشرق على معادن الناس بالنور وحرارة الحياة، فتنمو وتتكامل بحسب استعدادها، وهي شمس النبوّة، وقد وصف الله تعالى نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه (سراج) فقال (سبحانه وتعالى): (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)(الأحزاب: ٤٥-٤٦)، وهذه الشمس النبويّة لم تغب بعد رحيله، بل بقيت أشعّتها مشرقة مهما حجبتها الغيوم، والإمام الرضا (عليه السلام) هو شعاع ساطع من تلك الشمس النبويّة وذلك السراج المنير، وأحد ألقابه هو (سراج الله) فقد كان سراجاً لله (سبحانه وتعالى) يهدي مَن ضلّ إلى الصراط القويم. نشأ إمامنا الرضا (عليه السلام) في تلك المنازل التي أذن الله تعالى أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، وكان شبيهاً بجدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وآبائهِ الأطهار (عليهم السلام)، فهو بحر من النور والعطاء والعلم والفضل والأخلاق، هذا البحر الواسع نغترف منه ولو جزءاً يسيراً، ونشير إشارةً خجولةً، وأنّى لهذه الحروف أن تصف هذا العملاق العظيم، ففي مكارم أخلاقه يقول إبراهيم بن العبّاس: "ما رأيتُ ولا سمعتُ بأحد أفضل من أبي الحسن الرّضا (عليه السلام)، وشاهدتُ منه ما لم أشاهده من أحد، وما رأيتُه جفا أحداً بكلامه قطّ، ولا رأيتُه قطع على أحد كلامه، حتّى يفرغ منه، وما ردّ أحداً عن حاجة يقدر عليها، ولا مدّ رجليه بين جليس له قطّ، ولا أتّكأ بين جليس له قطّ، ولا رأيتُه يشتم أحداً من مواليه ومماليكه، وما رأيتُه تفل قطّ، ولا رأيتُه يقهقه في ضحكه، بل كان ضحكه التبسّم، وكان إذا خلا ونُصبت مائدته، أجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتّى البوّاب والسائس، وكان قليل النوم بالليل كثير السهر، يُحيي أكثر لياليه من أولها إلى الصبح، وكان كثير الصوم، ولا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر.. فمَن زعم أنّه رأى مثله في فضله فلا تصدّقوه".(١) أمّا في السياسة فقد كان (عليه السلام) سيّد الساسة، فلم تخدعه تلك الأساليب الخبيثة التي كان يمارسها أذكى الحكّام العبّاسيّين. وأمّا في العلم، فقد أفاض من علومه بما ملأ الخافقين، فعن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) أنّه قال لبنيه: "هذا أخوكم عليّ بن موسى عالم آل محمّد، فاسألوه عن دينكم واحفظوا ما يقول لكم، فأنّي سمعتُ أبي جعفر بن محمّد يقول: إنّ عالم آل محمّد لَفي صلبكَ، وليتني أدركتُه فأنّه سميّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)"(٢)، وقد تتلمذ على يده وتخرّج في مدرسته أجيال من العلماء يناهز عددهم الثلاثمائة. سيبقى هذا السراج مضيئاً لامعاً على مدى الدهور والعصور مهما أراد الظالمون أن يطفئوه، ويأبى الله (سبحانه وتعالى) إلّا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون. ..................... (1) أعلام الهداية: ج10، ص27-28. (2) سيرة الأئمة الاثني عشر: ج٢، ص346.