التَّغيِيرُ الخُطوَةُ التي نَخشَى

مريم حسين العبودي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 356

التغيير، ذلك الهاجس المرعب الذي نخشاه على أنفسنا والآخرين، ونشعرُ بالعار من الاعتراف به كأنّه ذنبٌ اقترفناه. أتذكّر موقفاً في مرحلة سابقة من حياتي، بعد أن عرف الكثيرون عنّي حبّي للشاي وكرهي للقهوة ورائحتها! بعد مدّة من الزمن أحببتُ القهوة، بل أصبحتُ أبتكر طرقاً خاصّة لإعدادها مثلما أرغب، قهوة مع مبيّض وحليب، نسبة الحليب مرّة أكثر ومرّة أقل، سكّر إضافيّ، أو من دون سكّر، ملعقة من مسحوق الكاكاو غير المُحلّى، أو قطعة من الشوكولا تذوب في السائل الغنيّ فتكثّف قوامه، إضافةً إلى متعة تكوين الرغوة المترفة على سطح الفنجان. في عدّة مواقف كان الأصدقاء يُظهرون علامات التعجّب أحقّاً؟! كيف؟! لم تكوني تحبّينها! أجل كذلك كنتُ، اعتدتُ القول إنّني لا أحبّ الألوان الزاهية، وبعد مدّة من الزمن أجدني أقتنيها وأرتديها. العِبرة في هذه الأمثلة هو أنّنا في كثير من الأحيان نخشى الخطوات التي تسلخُ عنّا عاداتنا القديمة، أو حريٌّ بي القول: (نحنُ القدماء)، يُصيبنا خوف التطوّر، خشية أن تهتزّ صورتنا المؤطّرة والمثبّتة بعناية على جدرانهم، أو أن تفسُد قوالبنا التي يضعوننا فيها، أو ربّما خشية أن نؤول إلى ما لا طاقة لنا به، خشية الولوج في متاهات نعجز عن الخروج منها مرّة ثانية، خشية الخدوش التي قد تصيب سطحنا الظاهريّ ويمتدّ ألمه إلى الداخل، فتظهر بواطننا للملأ بدون غشاوة أو ستر! ونحن الذين أُتخمنا بالتخفيّ والاختباء؛ كيلا يُشار إلينا بالبنان في خيانة الذات والتلوّن. الركود يُرادف الموت، المياه الساكنة لا حياة فيها، القلب الخالي من المحبّة لا نبض له، وجذع الشجرة الميّت لا ماء يسري في عروقه. نحنُ مجبولون على التغيّر والنموّ، لا شيء يبقى على حالٍ واحدة مهما بُذل الجهد في إبقائه، ومهما جاهد صاحبه في إحاطته ببناءٍ صَلد. كلّ شيء يُمكن أن يتحوّل إلى شيء غير مرغوب فيه بين ليلة وضحاها، حتّى أحبُّ الأشياء إليكَ في اللحظة الراهنة قد تتحوّل إلى أمر روتينيّ مملّ لا تجد لذّةً في فعله فيما بعد، وحينذاك ستواجه ملامة التغيّر، وقد تُتّهم بأنّكَ متقلّب وهلاميّ، بل ومتناقض لا ترسو على برّ، ولا تتمتّع بشخصيّة ثابتة. حينذاك يبدأ صراعٌ شديد الوطأة، بين محاولة إثبات الذات والتصالح معها، أو إعادة قولبتها لتُلائم المجتمع الذي يُحيط بها، والدخول في منطقة الراحة والتراخي، وترك الأمور تجري مثلما ينبغي لها بهدوء وسلاسة بدون أن يُعكّر صفو أيامنا شيء، وبدون عواصف تثير غضب بِحارنا الهادرة! الأمر موكولٌ إليكَ، أن تهذّب نفسكَ وتعلم أنّ من علامات نجاح هذا التهذيب هو التغيّر والتطوّر في الأنظمة الذاتيّة، شاعركَ المفضّل، وأكلتكَ التي لطالما فضّلتها، ومعتقدكَ الذي رسّخه فيكَ أبواكَ لا يمثّلكَ، فأنتَ كائنٌ مميّز من الله (سبحانه وتعالى) بعقلٍ لا يُقدّر بأثمان الدنيا، عقل لا تنفكّ الدراسات والعلماء يحتارون في خبايا تكوينه، ويزدادون بذلك حيرة وانبهاراً، أنتَ صنيعةُ نفسكَ لا المجتمع ولا الناس، وإن شئتَ أبقيتَ على نفسكَ مثلما أنتَ، لكن هل ستُحبّ منظر الصخرة التي في رأسكَ بعد مرور الزمن!