مِنْ دُرُوسِ الأَخلاقِ
لم أفهم لماذا كان على المرء أن يعرف نفسه حتّى يعرف الله (سبحانه وتعالى)؟! وما الرابط بين معرفة الخالق العظيم وبين معرفة المخلوق الضعيف؟ مع الإذعان بقوّة الأول وجبروته أمام ضآلة الثاني وضعفه؟ وكيف يمكن أن يوصلكَ ممكن الوجود إلى واجب الوجود؟ حتّى علمتُ أنّ الإنسان كلّما اطّلع وتأمّل ضعفه، ومحدوديّة قدرته وعلمه، كلّما بانت وظهرت له سلطة وشموليّة الربّ العظيم.. وكأنّه (سبحانه وتعالى) يُرشدنا إليه عبر طرق مختلفة، ويضع لنا الخرائط تلو الأخرى كي نصل ونسير نحوه، وأول هذه الخرائط نحن! ولا يقتصر هذا الضعف على الضعف الماديّ الجسديّ الذي يكون بالأمراض والعِلَل، بل يشمل الوهن الروحيّ والمعنويّ أيضاً.. الروح تتعب وتجوع وتظمأ، وإن كان البعض يرى أنّ العبادات هي شيء صوريّ وحركات جسديّة بلا فائدة، فإنّ هؤلاء لم يبلغوا المعنى والمغزى الحقيقيّ منها، إنّ الله يُطعم هذه الروح ويسقيها بالحديث معه، يربّت على أكتافنا المتعبة بطريقته كلّما توجّهنا إليه بصدق، مثلما نفعل بنبتة حينما نزرعها ونوجّهها إلى ناحية الشمس والضوء.. ولطالما سمعتُ من أساتذة الأخلاق أن ننظّف ما حول هذه النبتة التي هي كالروح من الجذور المجاورة أو المخلوقات الطفيليّة التي تشبه المَلَكات الباطنيّة المظلمة، ونرعاها بالسقي بالماء الصالح النظيف المتمثّل بتعاليم المعصومين (عليهم السلام) عملاً لا قولاً فقط، فكم وكم شاهدنا بأمّ أعيننا ممّن يتلبّسون بلباس الدين وهم من الدين بُراء، والأدهى من ذلك أنّ هذه النماذج قد نفّرت الكثيرين من الطريق المستقيم بسبب وقوفهم المُرائي على جادّته.. فالله تعالى جميل جدًا، لا يرى هذا الجمال إلّا مَن تذوّقه.. ولا يذوق طعم القُرب إلّا مَن أخلص وتواضع.. كانت أستاذتنا تعطينا بعض الإشارات اللطيفة البسيطة، لكنّها تؤثّر في النفس أيّما أثر، كانت تقول: حينما تدخلون للحسينيّة مثلاً، وتخلعون أحذيتكم انحنوا ناحية الأرض، اهبطوا بأنفسكم وكبريائكم نحوها، هذه الحركة تربّي النفوس على التواضع ونبذ الكبر، والقلب المتواضع كالسهل الأخضر الخَصب تنغرس فيه الحكمة، ومَن أُوتي الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا.