رياض الزهراء العدد 170 ألم الجراح
فِي مَرافِئِ النُّورِ
لمدينتي طقوسها الخاصّة، فهي لا تشبه أيّ مدينة، فقد اعتادت سامرّاء في لياليها ذات السواد السرمديّ أن تغازل نجومها التي فقدت بريقها، متسائلةً: هل سيعود غرامها؟ وهل سيظهر شخص سيّدها، ذلك القمر المضيء ليعود ساطعًا في كونها؟ هل ستعود أرضها الحبيبة إلى أحضان ذلك النقاء المحمّديّ وتغدو مروجاً خضراء وأنهاراً، فتطرق باب الله تعالى الذي منه يُؤتى، تقيم الدعاء برجاء النجباء الأكرمين أن تنتهي ليالي حزنها السرمديّة، فما بين سامرّاء وساداتها عشق ودمعة انتظار تحرّكها أحزان غابرة، وتغطّي بها جراحًا غائرة، بين سامرّاء وساداتها عروة وُثقى تقاسما لذّة الأحلام، يهدهدها حنين الذكريات، فاندمجت سامرّاء في حبّ الأطايب من أهل بيت محمّد (عليهم السلام) كقصيدة استرسلت أبياتها، وأبهرت كلماتها خفقان الروح بالأشواق، تجدّد الوعد بالبقاء على ذلك العهد كزيتونة تظلّل الطريق، وتشاكس الوحشة؛ ليقف الزمان مبجّلاً لخطواتها، فسامرّاء الشموخ موقنة أنّها ما دخلت حيّز الوجود إلّا بتمسّكها بمسك عطر أنفاس آل محمّد (عليهم السلام)، وأنّ كنزًا من نورهم يكتنفها، وكلّما ظنّ مَن حولها أنّها استسلمت وانتهت مأساتها، وأنّها طوت صفحة الغائب المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بعد أن يئس منه معشر الآيسين، أرى مدينتي غاب ظلّها، تلملم حنين الفَقد والغياب، أطرافها تبتهل إلى السماء، شوارعها تنوح بنوح جريح في أصداء محرابها، يتسرّب من داخل البيوت عبر الشقوق نورها وأمانها، اختنقت بطعم الظلم مذاقها، تعاني بصمت وبكاء يُتمها. اعتذرت والدموع تطفو على أحزانها، واستغفرت فهل لها في ظلّ العسكريّينِ (عليهما السلام) وتحت نظر المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) إلّا السرّاء؟ فمن أين تأتيها الضرّاء وهي تنعم بقرب أحبّتها؟ سامرّاء تعلم يقيناً أنّ ما كتبه الله (عزّ وجل) لها خيرٌ ما بعده خير، إنّها تعلم أنّ سرّ الله تعالى المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، الذي تنتظره سينكشف نوره البهيج لها ولمَن حولها، وتعود لياليها تشعّ بضياء آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لتعود تلك الطلّة البهيّة تشرق بأنوار تُغشي الأبصار.