لِمــَــــاذَا؟
لماذا جعلني الله فقيراً؟ لماذا خلقني مُعاقاً؟ لماذا يحدثُ هذا معي؟ لماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟ أسئلةٌ كثيراً ما تتردّدُ على الألسُن فضلًا عن الأذهان، يجمعها الاعتراض على ما يقدّر ويقضي الحكيم الرحمن، فما القضاء والقدر؟ وهل لنا الاعتراض على الله تعالى فيهما؟ رُوِي عن الإمام الرضا (عليه السلام) : "(القدر) هيَ الْهَنْدَسَةُ وَوَضْعُ الْحُدُودِ مِنَ الْبَقَاءِ وَالْفَنَاءِ.. وَالْقَضَاءُ هُو الْإِبْرَامُ وَإِقَامَةُ الْعَيْنِ"،(1) فقد قدّر الله تعالى قوانين ثابتة وترك للإنسان الخيار، فقدّر الشفاء للمريض إذا تناول الدواء، وقدّر استمرار مرضه إن هو أهمله، فأيّهما اختار المريض كان قضاءه. ورُوِي أنَّ الإمام عليّ (عليه السلام) عدل من حائط مائل إلى آخر، فقيل له: يا أمير المؤمنين أتفرّ من قضاء الله (عز وجل) ؟ فقال (عليه السلام): "أفِرُّ من قضاء الله إلى قدر الله".(2) فالإنسان عاقلٌ مختارٌ، ولخياراته اليد الطولى في رسم مُجريات حياته، أضف إلى ذلك فإنَّ لارتكابه الذنوب عظيم الأثر في تشكيل قضائه، قال الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (الشورى:30). على أنَّ مشيئة الإنسان لا تتجاوز حدود سلطانه تعالى، ولا تخرج عن نطاق مشيئته (عز وجل)، ولذا ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) : "لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين".(4) ومشيئته تعالى محكومةٌ بحكمته، فهو سبحانه وتعالى لا يقضي إلّا بما يتوافق معها، وقد اقتضت حكمته أنْ تكون الدنيا دار ابتلاء وامتحان، ولوكان جميع البشر على مستوىً واحد من الغنى والذكاء والصحّة والجمال لانتفت تلك الغاية، وإن كانوا متساوين من حيث النِعم؛ فالفقير ربّما كان فائق الذكاء، وهكذا. ومن حكمته أنّه لا يقضي لعباده المؤمنين إلّا بما هو الأصلح لحالهم، فقد ورد في الحديث القدسيّ: "وإنَّ من عبادي المؤمنين لمَن لا يصلحُ إيمانُه إلّا بالفقر، ولو أغنيتُه لأفسدَه ذلك، وإنَّ من عبادي المؤمنين لمَن لا يصلحُ إيمانُه إلّا بالغنى، ولو أفقرتُه لأفسدَه ذلك، وإنَّ من عبادي المؤمنين لمَن لا يصلحُ إيمانُه إلّا بالسُقم، ولو صحّحتُ جسمَه لأفسدَه ذلك، وإنَّ من عبادي المؤمنين لمَن لا يصلحُ إيمانُه إلّا بالصحّة ولو أسقمتُه لأفسدَه ذلك، إنّي أُدبِّرُ عبادي بعلمي بقلوبهم فإنّي عليمٌ خبيرٌ".(5) بل ربّما قضى بالبلاء على عباده حُبًّا بهم وتفضُّلًا منه عليهم؛ ليرفع به درجاتهم، فقد رُوِي عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنّ جدّه النبيّ (صل الله عليه وآله) قال: "وإنَّ لَكَ فِي الجَنَّةِ دَرَجاتٍ لَن تَنالَها إلّا بِالشَّهادَةِ".(6) ولرحمته غير المتناهية فقد شاء الله (عز وجل) أنْ يُشرع أبوابًا يلجها مَن رام دفع سوء القضاء عنه، أو تبديله بأحسنه، ورُوي عنه (صل الله عليه وآله): "الصَّدَقةُ تَسُدُّ سَبعِينَ باباً مِن الشَّرِّ"، (7) ورُوِي عن الإمام السجّاد (عليه السلام) : "إنَّ الدعاء ليردّ البلاء وقد أُبرِمَ إبراماً".(8) علاوةً على ما تقدّم فإنّ للصبر على سوء القضاء عظيمَ الثواب وجزيل الجزاء، رُوِيَ عن الإمام الصادق (عليه السلام): "مَن ابتليَ من المؤمنين ببلاءٍ فصبر عليه كانَ له مثل أجر ألف شهيد".(9) وختاماً، فإنّه سبحانه وتعالى ما منعَ العبد من شيءٍ، فإنّما منعه ما ليس له، وما منحه من شيءٍ، فإنّما منحه ما ليس له؛ فله الفضل دائمًا وأبدًا. ................................. (1) الكافي: ج1، ص158. (2) مرآة العقول: ج7، ص363. (3) الكافي: ج2، ص270. (4) الكافي: ج1، ص١٦٠. (5) بحار الأنوار: ج٥، ص٢٨٤. (6) الصحيح من مقتل سيّد الشهداء وأصحابه: ج1، ص273. (7) بحار الأنوار: ج96، ص132. (8) الكافي: ج٢، ص٤٦٩. (9) وسائل الشيعة: ج٣، ص٢٥٥.