رياض الزهراء العدد 171 أنوار قرآنية
الجَانِبُ الأَخلاقِيُّ والاجتماعِيُّ في سُورَةِ الإنسانِ
يمثّل القرآن الكريم منهجًا تربويّاً وأخلاقيّاً، ودستور حياة تسير عليه الأمة الإسلاميّة في تربية الأجيال، وسورة الإنسان من السُوَر التي ترسم للإنسان مسيرة حياته. وتضمّنت جوانب تربويّة وأخلاقيّة واجتماعيّة، منها إخلاص النيّة لله (عز وجل) عند العمل، فهو أصل قبول الأعمال؛ فيجب ألّا يكون العمل لأجل تحصيل الشهرة والمدح ومراءاة الناس، فكلّ عمل يخالطه الرياء يكون غير مقبول عند الله (سبحانه وتعالى)، وتمثّل ذلك الجانب في قوله (عز وجل): (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) (الإنسان: ٩). فأهل البيت (عليهم السلام) قدّموا طعامهم لوجه الله تعالى غير راغبين بالأجر الدنيويّ، أو الذكر الحَسَن في الدنيا، ولم يطلبوا من الله(عز وجل) شيئاً، بل إنّهم صبروا على ذلك، فهم مصداق لقوله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (الحشر: ٩). "وجعل الله الجزاء هنا مقابل الصبر نفسه، لا مقابل العمل الذي صبروا عليه، ليشير بذلك إلى شدّة معاناتهم وأنّها قد بلغت حدّاً فأصبح نفس فعلهم صبراً، وأصبح الجزاء على نفس هذا الصبر، وقد جاء بكلمة (صَبَرُوا) بصيغة الماضي، لعلّه ليشير إلى أنّ هذا الصبر هو فعل اختياريّ لهم، وليس أمرًا مفروضاً عليهم، فليس حالهم كحال ذلك السجين الذي يُجبر على بعض الأعمال الشاقّة، بل هو صبر وحصانة قد اختاروها أنفسهم، واختاروا هم الفعل الذي ينتجها".(1) وفي فعلهم هذا تجسيد للتكافل الاجتماعيّ الذي حثّ الإسلام عليه، فتقديم الصدقة إلى المحتاجين ومساعدتهم يقيهم من الجوع والعراء والانحطاط الخُلُقيّ، وينتشلهم من العوز الماديّ، فتتآلف القلوب وتسود الرحمة والألفة، وتحلُّ محلّ الطمع والجشع؛ لأنّ حرمان المحتاج من حقوقه يورث في نفسه آفات نفسيّة كالحقد والغضب والحسد والكُره على ذوي المال، ويجعل المجتمع بعيداً عن روح الإسلام ومبادئه، وتعلّمنا سورة الإنسان كيفيّة التعامل الحَسَن مع المحتاج والتواضع في العطاء، وأن يكون عن طيب نفس، وتدعونا إلى الالتزام بدفع الصدقة لدورها الفعّال في تقوية النسيج الاجتماعيّ وأواصره، ولما لها من منافع فرديّة فهي تدفع البلاء، وتقي ميتة السوء، وتطيل الأعمار، وبها نبني مجتمعًا متماسكًا تحكمه الأخلاق، ومن منطلق قوله تعالى: (هل جَزاءُ الإحسانِ إلّا الإحسانُ) (الرحمن:٦٠). جاء في حديث للإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "آية في كتاب الله (عز وجل) مسجّلة. قلت: وما هي؟ قال: قول الله (عز وجل): (هل جزاء الإحسان إلّا الإحسان) جرت في الكافر والمؤمن والبرّ والفاجر، من صُنع إليه معروف فعليه أن يُكافىء به، وليس المكافأة أن تصنع كما صنع حتّى تربي، فإن صنعتَ كما صنع كان له الفضل في الابتداء."(2) وبناء على هذا فالجزاء الإلهيّ في يوم القيامة يكون أكثر من عمل الإنسان في هذه الدنيا، وذلك تماشياً مع الاستدلال المذكور في الحديث أعلاه. يقول الراغب في المفردات: (الإحسان فوق العدل، وذاك أنّ العدل هو أن يعطي ما عليه ويأخذ ما له، والإحسان أن يعطي أكثر ممّا عليه ويأخذ أقلّ ممّا له، فالإحسان زائد على العدل..). ويتكرّر قوله سبحانه مرّة اُخرى: (فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان) (الرحمن:61). "وذلك لأنّ جزاء الإحسان بالإحسان نعمة كبيرة من قِبل الله تعالى، حيث يؤكّد سبحانه أنّ جزاءه مقابل أعمال عباده مناسب لكرمه ولطفه وليس لأعمالهم، مضافاً إلى أنّ طاعاتهم وعباداتهم إنّما هي بتوفيق الله ولطفه، وبركاتها تعود عليهم".(3) ..................................... (1) تفسير سورة هل أتى: ج٢، ص١٤ - ١٥. (2) تفسير الأمثل: ج17، ص435. (3) المصدر السابق.