رياض الزهراء العدد 171 تنمية البشرية
اجتماعُ الحُبِّ
كثيرة هي المواضيع التي تهتمّ بجوانب الحياة المتعدّدة، والتي تعتمد على دراسات علميّة موثّقة لكي تؤكّد لنا على أهميّة التنشئة السليمة للفرد، انطلاقاً من اختيار الزوجين، ومروراً بالحمل ووصول وليّ العهد المبجّل إلى كنف الأسرة الراعية له، وإنّنا في هذا الصدد نودّ الإشارة إلى نقطة هي من مرتكزات الانطلاقات للمجتمع الواسع الذي يضمّ في جنباته كلّ أنواع الأفكار، وما يتضمّنها من صالح أو طالح، فنورد هنا قول الإمام عليّ(عليه السلام): "مَن أحسَنَ إلى رعيّته، نَشرَ اللهُ سبحانه عليه جَناحَ رحمته، وأدخَلَه في مغفرته"،(1) والإحسان هوما يُصنَع من معروف ويُشاع من خير، ولعلّ أقرب مَن يكون إلى تلقّي هذا الخير هم أفراد الأسرة، سواء كانت نواتيّة تتضمّن الأب والأمّ والأبناء، أو ممتدّة لتصل إلى الأجداد والأقارب أيضاً. ومن الممكن هنا أن يتمّ طرح سؤال مهمّ، وهو: كيف لي أن أنال هذه المرتبة العالية في نشر الخير لمَن حولي؛ لأكون ممّن ينال فضل الله(سبحانه وتعالى) وبركاته من رحمة ومغفرة لا يوازيها في الراحة النفسيّة والشعور بالاطمئنان شيء؟ وللإجابة عن هذا السؤال: سنتطرّق إلى أحد جوانب خارطة الحياة المتنوّعة ونطبّق عليه ما سبق، وهو الجانب العائليّ وما يتمخّض عنه من تأثير واسع النطاق في المجتمع بشكل واضح، فالعائلة تقوم على مبدأ التفاهم والمشاركة من أجل هدف سامٍ لا يمكن التنازل عنه، ألا وهو وضع لَبنات صالحة في أنحاء هذا المجتمع المترامي الأطراف، وعليه يكون الحرص على استثمار كلّ الفرص المتاحة من أجل النهوض بواقع الجزء الصغير من اللوحة الكبيرة، ومن تلك الفرص التي لا يمكن حصرها بعدد معيّن، يمكننا تناول الأوقات المتميّزة جدّاً للأعياد، وما يرتبط بها من بهجة وسعادة تدبّ في القلوب العطشى لتلك السويعات التي لا تُنسى تفاصيلها، فقائد الأسرة السعيدة هو مَن يقتنص النقاط المضيئة؛ ليحملها بكلتا يديه، وينير بها دروب أفراد عائلته الجميلة، وهنا يكون الاجتماع والذي يضمّ عدداً من الأفراد سواء من العائلة الصغيرة أو الكبيرة ليكون اجتماعاً للحبّ، وما أجمله من تجمّع يفوح منه شذى كلّ المشاعر الرقيقة والجاذبة للآخرين. وعند الاجتماع على الحبّ فإنّ كلّ ما سيتشعّب منه هو عبارة عن عطاء، راحة بال، سعادة، وكلّ ما يندرج تحت قائمة الحالة الإيجابيّة للنفس التي تضفي جوّاً مليئاً بالطاقة والحيويّة على المحيط بها، وعلى النقيض منه في حال كان الاجتماع على أيّ نوع من المشاكل أو مشاعر الانزعاج من الآخر، فأنّ كلّ ما ينبعث سيملأ الأجواء بالتوتّر، القلق، الترقّب، بحيث تنتشر حالة من السلبيّة لتسود المكان، وهنا يجب علينا نحن أن نحدّد ما المطلوب؟ هل نبحث عن أجواء متوتّرة أم هادئة؟ من الطبيعيّ أنّ الجميع يرغب بالحصول على كمّ كافٍ من الراحة النفسيّة، التي إن تتبّعنا طريقها فسنصل إليها بحول الله تعالى وقوّته، فمن الممكن استثمار مدّة الأعياد لجعلها نقطة تلاقي القلوب على الحبّ في الله(عز وجل) ، وتعزيز صلة الأرحام، حينها كَمْ هو جميل لو قام أحد الأفراد بكتابة مواقف سعيدة أو مضحكة مرّت عليه خلال مسيرة الحياة في قصاصات ووضعها في دورق مميّز، وطلب من أيّ شخص اختيار أحدها، وقراءة ما فيه، حينها سيتمّ استرجاع الضحكات والسعادة وإشاعة جوّ من المرح، فيكون الملتقى هو اجتماعاً للحبّ. ..................................... (1) عيون الحكم والمواعظ: ج1، ص199.