(آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً)
فاطمة: عندما يعمّ الأمن والأمان في أرجاء مكان ما فستحلّ السكينة والطمأنينة والهدوء فيه، فهناك علاقة بينهما، وهي تجري في الأمة المؤمنة التي تلتزم بالأحكام الإلهيّة، فأنّ الطمأنينة تشمل أفراد الأمة المؤمنة، مثلما قال الله (عز وجل): (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) (النحل: 112، 113). فالآية المباركة تتحدّث عن قرية كانت متّصفة بثلاث صفات مرتبطة بعضها ببعض: الأمان، والطمأنينة، ورغد العيش، فالأمان يجلب الطمأنينة والسكينة لأهل هذه القرية، والرزق يأتيهم من كلّ مكان بدون عناء أو تعب أو سفر. ناهد: ما سبب هلعهم وخوفهم؟ ولماذا سُلِبوا هذه النِعم إذن؟ فاطمة: كان للنِعم أن تدوم وتكبر لو أنّهم آمنوا بنبيّهم (عليه السلام)، وكان للنعم أن تدوم لو شكروا المُنعم(عز وجل) ، ولكن كفروا بأنعم الله(سبحانه وتعالى) وكذّبوا رسوله، فعدم الإيمان هو الذي غيّر المعادلة، وقَلَب المشهد رأساً على عقب، فحلّ الخوف محلّ الأمن والطمأنينة، وحلّ الجوع والقحط محلّ الرزق الواسع الكثير. ناهد: هل ذكر القرآن آية أخرى تبيّن العلاقة بين الإيمان ووفرة النِعم الإلهيّة على العبد؟ فاطمة: نعم، الإيمان طمأنينة، والجحود كفر، والإيمان والتقوى بابان من أبواب بركات السماء والأرض: (وَلَو أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (الأعراف:96). وبركات السماء كثيرة، فكلّ نعمة من الله تعالى معنويّة كانت أو ماديّة هي من البركات، فالطمأنينة من نِعم الله تعالى، وهذه النعمة لها أبواب وأسباب كالإيمان والتقوى والعمل الصالح، مثلما أنّ الكفر والآثام بابان للشقاء والمصائب وسلب للطمأنينة: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (الشورى: 30). ومن هذه الآثام والذنوب الكفر بالنعمة، ولذا تلاحظين أنّ عدداً من الآيات تأمر بتذكّر النعمة واستحضارها: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ) (فاطر: 3). ناهد: إذن ارتكاب الذنوب هو سبب لزوال النعم؛ ولكن هل لنا نحن العباد المذنبين الذين سُلِبت منّا الراحة والطمأنينة وابتُلينا بالخوف والاضطراب من رجعة؟! فاطمة: نعم، الإيمان بابه مفتوح، والتقوى طريق متاح، وما إن يرجع الإنسان إلى الله(عز وجل) ويتّقي إلّا وتتحسّن أحواله وتتغيّر أوضاعه، وتزول عنه هذه المصائب التي حصلت نتيجة الذنوب. فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ عَنْهُ الشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا، وَاحْلَوْلَتْ لَهُ الْأُمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا، وَانْفَرَجَتْ عَنْهُ الْأَمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا، وَأَسْهَلَتْ لَهُ الصِّعَابُ بَعْدَ انْصَابِهَا، وَهَطَلَتْ عَلَيْهِ الْكَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا، وَتَحَدَّبَتْ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ بَعْدَ نُفُورِهَا، وَتَفَجَّرَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا، وَوَبَلَتْ عَلَيْهِ الْبَرَكَةُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا".(1) لاحظي كيف يصوّر أمير المؤمنين(عليه السلام) حال مَن يأخذ بالتقوى ويعيشها في حياته، فتكون عاملاً من عوامل النِعم والبركات عليه. حين تتحقّق التقوى والإيمان تترتّب الآثار وتحصل البركات، وتشمل الإنسان الألطاف والعناية الإلهيّة من طمأنينة ورزق وسعة حال: (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (الطلاق: 4). يتبع... ........................................... (1) الهادي إلى موضوعات نهج البلاغة: ص ١٦٦.