حُريَّةُ المَرأةِ مَشرُوطَةٌ أَم مُطلَقَةٌ؟ وَكيفَ؟
يُعدّ مفهوم الحريّة من المفاهيم المتشعّبة التي ركّز عليها الدين الإسلاميّ؛ لِما لهُ من تأثير واسع في المجتمع، وبما أنّ المرأة تُعدّ إحدى المكوّنات الرئيسة والأساسيّة في بناء المجتمع؛ لذا فإنّ حريّتها تكمن في عودتها إلى مفاهيم الإسلام الصحيحة، والسير على مبادئه وتعاليمه القيّمة، ويُعدّ المنهج الاسلاميّ هو السبيل الوحيد لتحرير ذاتها الكريمة، وهذا بالطبع ينعكس على أداء أدوارها في مفاصل الحياة كافّة، ويجب عليها ألّا تتقبّل كلّ ما هو مستورد يُسيء إلى حيائها بذريعة ممارستها الحريّة، وإنّما عليها أن تتّخذ من سيّدة نساء العالمين(عليها السلام) قدوةً لها من حيث إنّها كيف كانت تعيش، كيف كانت تفكّر؟ كيف كان لها الدور الرائد في إدارة الشؤون الاجتماعيّة؟ وإذا كانت المرأة مسؤولة مسؤوليّة خاصّة فيما يختصّ بعبادتها، فهي في نظر الإسلام مسؤولة مسؤوليّة عامّة أيضاً فيما يختصّ بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والإرشاد إلى الفضائل والتحذير من الرذائل، أي إنّ الإسلام أعطى للمرأة الوزن الذي تستحقّه، وفي هذا الصدد العمليّ تحدّثت السيّدة أسماء رعد العباديّ/ مسؤولة مكتبة السيّدة أمّ البنين(عليها السلام) النسويّة مبيّنةً: إنّ الإسلام اهتمّ بالمرأة ونظر إليها بوصفها عنصراً أساسيّاً وجزءاً حقيقيًا وعضوًا كاملاً في المجتمع الإنسانيّ، فمنحها حريّة العمل لكونه أحد مصاديق المسؤوليّة، فلديها حريّة في أداء تلك المسؤوليّة التي كُلِّفت بها، ولكن وَفق حدود معيّنة، منها أن يكون مكان العمل نظيفاً وغير موبوء، بحيث يحفظ لها كرامتها ومكانتها، فالإسلام لا يقف عائقاً أو حاجزًا بينها وبين ذلك العمل، وأنّ هذه الدلالات التي وضعها الإسلام لنوع العمل التي تخوضه المرأة إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على تقديره لها، ورغبته في الحفاظ عليها وعلى منزلتها التي أوجدها الله سبحانه وتعالى. ولأنّ عملهم كان منصبّاً على الإرشاد والتوجيه للعديد من النساء من أجل رسم حاضر ومستقبل يليق بالمرأة المسلمة، كان لقسم الإرشاد الأسريّ في مركز الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام) دور كبير في ذلك، وعن هذا الجانب الاجتماعيّ والتوعويّ تحدّثت السيّدة أسمهان إبراهيم/ مديرة مركز الثقافة الأسريّة موضّحةً: جاء تفضيل المرأة في الإسلام بأن ألزم الرجل النفقة عليها، وتظهر أهميّة المرأة فيما تتحمّله من مشاقّ وأعباء تفوق بعضها أعباء الرجل، ومنها تقديم منزلة الأمّ في قوله تعالى:( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْن)(لقمان:14)، وبعد كلّ هذه المكانة التي أعطاها الإسلام للمرأة، أعطاها الحريّة، ولكن في إطار الضوابط الشرعيّة التي تصون كرامتها وعفّتها، حتّى لا تتحوّل حريّة المرأة إلى خراب وتدمير للأسرة والمجتمع، فالمرأة المسلمة الحرّة هي المرأة المسؤولة عن تصرّفاتها ودينها، والتزامها بما حدّده الشرع والإسلام من حقوق وواجبات. وأكّدت على أنّ الحريّة التي لا تكون وَفق ضوابط وحدود، لا تسمّى حريّة، بل تدخل في إطار الفوضى، مثلما نلاحظ في الأنظمة الغربيّة التي أعطت حريّة الفوضى؛ لذلك نجد انعكاسات هذه الفوضى تتجسّد في تفكّك الأسرة التي تعدّ المرأة عمادها بسبب انعدام القِيم. وأردفت قائلةً: تندرج حريّة المرأة تحت مفهومي (العفّة، والحياء)، من حيث المظهر والستر بترك الزينة المغرية، وستر البدن والعفّة في القول والسلوك، وعدم مراعاتها يؤدي إلى التساهل ووقوع حالاتٍ من الفوضى والانهيار. وفي الجانب الدينيّ تحدّثت السيّدة أمّ حسين/ مسؤولة شعبة التوجيه الدينيّ النسويّ في العتبة العباسيّة المقدّسة مشكورةً: إنّ الإسلام ينظر إلى المرأة على أنّها خليفة الله في الأرض، شأنها شأن الرجل، فهي مسؤولة عن كلّ فعل تتّخذه باختيارها، فإذا كانت الحريّة تعني أن يتمكّن الفرد من فعل أيّ شيء يريده، والتصرّف بشؤونه الخاصّة بإرادته الذاتيّة بعيداً عن سيطرة الآخرين، وضمان عدم الاعتداء عليه أو على عرضه أو ماله، فالإسلام قد ضَمِن هذا الحقّ للمرأة، فلها الحقّ والحريّة في التعليم، وفي العمل وفي اختيار شريك حياتها، وكلّ خيار يخصّ حياتها وأمورها، فالحريّة في الإسلام للمرأة والرجل معاً هي الحريّة في التصرّف في كلّ الأمور من دون الإضرار بالآخرين، وفي إطار حدود الشريعة المقدّسة، أي أنّها حريّة مشروطة وغير مطلقة، في مقابل الحريّة التي يُروّج لها اليوم والتي تركّز على الحريّة المطلقة من كلّ القيود، سواء كان الدين أو الأخلاق أو الأعراف؛ لتطلق للإنسان العنان لبُعده الحيوانيّ ويغرق في تلبية رغبات غرائزه الحيوانيّة. وفي هذا الإطار تحدّثت السيّدة إسراء هاشم الموسويّ/ مكتبة السيّدة أمّ البنين (عليها السلام)/ وَحدة الإعارة مبينةً: أنّ حريّة المرأة تعتمد على فهم المرأة المسلمة لهذا المفهوم عن طريق ممارستها له واتباعها للجانب الإيجابيّ منه، والإسلام قد كفل للمرأة حريّتها باتّباعها لتعاليمه المقدّسة التي تنضوي تحت باب العفاف والتنزّه عن كلّ ما يُدنّس كرامتها وشخصّيتها بصفتها إنساناً قبل كلّ شيء، وبهذا يتجسّد المعنى الحقيقيّ والجوهريّ لمبدأ الحريّة، وعلى الرغم من قيامها بكافّة مستلزمات الحياة إلّا أنّها لم تسقط في منزلق الحريّة الزائفة. وبهذا يمكن القول إنّ المرأة ليست مخيّرة بين نقطتين فقط: الأولى الاعتزال عن كلّ شيء، والثانية الانخراط في الأجواء غير المناسبة للدين المقدّس، بل على العكس تماماً، فإنّ الإسلام كفل لها حقوقها الطبيعيّة من ممارسة عمل أو دراسة أو سائر النشاطات الأخرى التي لا تخلّ بحيائها، وبذلك فإنّ حريّة المرأة ليست حريّة مطلقة، وإنّما يجب أن تخضع لقيود، أدنى هذه القيود اجتناب المحرمّات، وأنّ نهوض المجتمع وانهياره يتوقّف على مدى تجنّب المرأة السقوط في المحرّمات والانجراف وراء كلّ ما هو محرّم، ومن ثمّ فإنّ عفّة المرأة وحياءها يعدّان أرضيّة صلبة لضمان الإصلاح والتربية الناجعة المرجوّة، فعن الإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: "حُسن الأخلاق برهان كرم الأعراق".(1) .................................... (1) ميزان الحكمة: ج1، ص802.