رياض الزهراء العدد 171 لحياة أفضل
الأنموذَجُ الأَبرزُ لِحَياةٍ زَوجيّةٍ نَاجِحَةٍ
لم تكن التعقيبات معهودة في ذلك اليوم، فهي ليست كباقي الأذكار، فبعد صلاة فجر الجمعة سمع الحبيب (صل الله عليه وآله) حفيفاً من خَلق لا يعصون الله تعالى ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون متوّجين مقرطين،(1) مدملجين،(2) يتبعه قعقعة من السماء فيها اطّلاعة من الحقّ على الأرض، واختيار يعقبه تبسّم ورضا بأن: "زوّج فاطمة(عليها السلام) من عليّ(عليه السلام) "، يتقدّم نفس النبيّ (صل الله عليه وآله) لاتّخاذ شريكة الحياة من روح النبيّ(صل الله عليه وآله) التي بين جنبيه باختياره وموافقتها بمشيئة الله(عز وجل) ؛ ليتمّ زواج النورينِ في الأول من ذي الحجّة في أولى خطوات مقوّمات النجاح، وهو الاختيار الصحيح الذي يُعدّ البوّابة الأولى للولوج والانتقال من مرحلة إلى أخرى، والتي فيها يحدّد كلّ من الزوجين الدافع وراء الارتباط بشريك حياته، والتي بموجبها يتحمّل كلّ من الزوجين مسؤوليّة اختياره فيما بعد. فاختيارهما المتكامل قائم على عوامل متعدّدة قد تتلاءم مع نظريّة التجانس والتشابه بين الطرفين في الخصائص والسمات التي تمثّلت في التكافؤ بينهما. وبعد الاختيار يأتي توافق الارتباط، وهو التكيّف والتقبّل النفسيّ الذي يضمن استقرار الحياة الزوجيّة واستمرارها، فيشقّ طريقه أولاً في تواصل الزواج، ويعبّر عن الأساليب الناجعة، حتّى أنّ الأمير (عليه السلام) لينظر إلى الزهراء (عليها السلام) مرسلاً إليها حبّه وعطفه، فتنكشف عنهما الهموم والأحزان. نعم يدرك الأمير (عليه السلام) هذا المعنى جيّداً ويؤكّد على أنّ للنساء حوائجَ لا يُتعامل معها بالعجلة، فيرعى بذلك حاجات الزهراء (عليها السلام)، وهي بدورها تدرك أنّ جهاد المرأة حسن التبعّل، فتمتثل لأوامره وتطيعه، حتّى أنّها لم تعصِ له أمراً مدّة حياتها معه، ولم تغضبه وهو أيضاً لم يغضبها، وهذا مؤشّر آخر على الانسجام التامّ بينهما. أمّا التوافق الاقتصاديّ فيتمثّل في رضا مولاتنا(عليها السلام) بالمستوى المعيشيّ لزوجها، وعدم تكليفه ما لايطيق، فقد ورد عن مولاتنا:(عليها السلام) "يا أبا الحسن إنّي لأستحي من إلهي أن تكلّف نفسكَ ما لا تقدر عليه".(3) فالرضا والقناعة من أهمّ العوامل المساندة للتوافق، والذي يمثّل الدعامة الرئيسة لنجاح الحياة الزوجيّة، مضافاً إليه توافر الاستراتيجيّات اللازمة لذلك، من المساندة المتبادلة بين الزوجين، والتي برزت جليّة في هذا الزواج حينما ضمنت فاطمة (عليها السلام) لعليّ (عليه السلام) ما دون الباب وضمن لها ما خلفه. ولم تغب المسايرة والتعاطف في عبارات الزوج الحنون وهو القائل: "إنّها استقت بالقِربة حتّى أثّر في صدرها، وجرت بالرحى حتّى مجلت يداها، وكسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتّى دكنت ثيابها.."،(4) وقد برزت الكفاءة والمواءمة في القيام بالأدوار الزوجيّة في وصيّة الزهراء (عليها السلام) لعليّ (عليه السلام): " يا بن عمّ ما عهدتَني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتكَ منذ عاشرتني" فيجيبها (عليه السلام): "معاذ الله، أنتِ أعلم بالله وأبرّ وأتقى وأكرم، وأشدّ خوفاً من الله أن أوبّخكِ بمخالفتي"(5) فكانا الأنموذج الأبرز لحياة زوجيّة ناجحة، فنِعم الزوج عليّ (عليه السلام) ونعمت الزوجة فاطمة(عليها السلام) . .................................. (1) الأقراط: ما يعلّق في شحمة الأذن. (2) الدُملُج: السوار. (3) بحار الأنوار: ج37، ص103. (4) علل الشرائع: ج2، ص366. (5) بحار الأنوار:ج43، ص191.