رياض الزهراء العدد 171 لحياة أفضل
(كامِتزاجِ المَاءِ)
نظرات تساؤل وودّ بین بنت وأمّها: - أمّي الحبيبة: في كثير من الأحيان أبقى وحيدة على مقعدي الدراسيّ؛ لأنّي لا أجد نفسي بين مَن هنّ في عمري، فلغيبة المدرّسات لهنّ وطر، والسخرية من زميلة ما لبساطة ملبسها طرفة للترويح بعد عناء الدرس. أتعلمين أمّي أنّي لستُ مغرورة بالتزامي، إذ أعدّه نعمة من الله(سبحانه وتعالى) الذي رزقني أبوينِ صالحينِ أخذا بيدي؛ إلّا أنّني أفضّل الوحدة وإن صعبت على الحصول على صديقة في مقابل أن أخسر أخلاقي. - ابنتي الغالية: لا أنكر أنّنا محتاجون جميعًا إلى بناء الذات؛ من أجل تكوين مجتمع متحلٍّ بآداب التعامل الصحيحة، كم أعجبني ثباتكِ على الحقّ وإن كلّفكِ البقاء وحيدة، ولكنّي أطمئنكِ بأنّ الدنيا لاتزال بخير، وأنّه يمكنكِ أن تؤثّري في زميلاتكِ وتأخذي بأيديهنّ لإزالة غبار النسيان عن فطرتهنّ، مثلما أنّ لأسلوب الأمر بالمعروف دورًا كبيرًا في تأثّر الطرف المقابل، فعن نبيّ الرحمة محمّد (صل الله عليه وآله) أنّه قال: "إنّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تُكرّهوا عبادة الله إلى عباد الله، فتكونوا كالراكب المنبت، الذي لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى"،(1) وإنّي على ثقة بأنّكِ قادرة على مساعدة زميلاتكِ في تصحيح سلوكهنّ بأسلوب لَبِق ومشوّق وبدون مساس لِكرامتهنّ، تعالي غاليتي نتأمّل هذا الحديث الذي يشكّل قاعدةً ذهبيّةً في التعامل الاجتماعيّ الصحيح، رُوِي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: "ثمّ عاشر خَلق الله كامتزاج الماء بالأشياء، يؤدّي إلى كلّ شي حقّه، ولا يتغيّر عن معناه، معتبراً لقول رسول الله :(صل الله عليه وآله) "مَثَل المؤمن الخالص كمَثَل الماء"،(2) ولكي نفهم هذا التشبيه البديع علينا أن نسلّط الضوء على الصفات البارزة في المُشبّه، ونسعى إلى تطبيقها في وجودنا: 1- من أبرز صفات الماء هي الطهارة والتطهير، إذن المؤمن الحقيقيّ طاهر من الأعماق ببركة المراقبة والمحاسبة للذات، ومطهّر لمَن حوله، يساعدهم في التخلّص من أدرانهم المعنويّة كالحقد والبغضاء، وتصدير الأحكام المسبقة على الآخرين، بدون معرفة الظروف المحيطة بهم. 2- الماء سرّ الحياة فبه تزهر الحياة، والمؤمن سرّ الحياة الطيّبة ونماء النفوس وازدهارها. 3- الماء أبرز مظهر للرحمة الإلهيّة العامّة، وكذا المؤمن لا يحصر منفعته في محيط (الأنا) الضيّق، بل إنّ كلّ مَن حوله يتنعّم بوجهه الطليق وصدره الرحب، وحرصه على المساعدة، بل هو واصل لمَن قطعه، عافٍ عمّن ظلمه معطٍ لمَن حرمه. 4- الماء صافٍ ونقيّ، كذلك المؤمن نقيّ السريرة لا يُضمر لأحد شرّاً، ولا يقول في غيبة أحد ما يسوؤه. 5- الماء يتّخذ شكل الإناء الموضوع فيه، فله خاصيّة الانسيابيّة لكنّه في الوقت نفسه لا يفقد هويّته وحقيقته، والمؤمن يتعامل مع مَن حوله بانسيابيّة وسهولة، فهو ليس متقلّباً ولا متجمّداً لكنّه في هذا الانسجام مع مَن حوله على اختلاف طرق تفكيرهم ودرجة تمسّكهم بمعتقداتهم لا يفقد معناه، هذا الأمر الذي ينساه الكثير منّا عند مخالطة أشخاص لا يخلون من نواقص ومن سلبيّات. فهل يا تُرى استطعتُ أن أجيب عن أسئلة قرأتُها في عينيكِ السارحتين.. ونبقى نبحث في هذه الدنيا؟ ..................................... (1) الكافي: ج2، ص86. (2) بحار الأنوار: ج77، ص ٣٤٠.