النَّحلَةُ والنِتَاجُ المُبَارَكُ

زينب عبد الله العارضيّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 197

مع إشراقة كلّ صبح جميل تهبّ إلى العمل، تنتقل من زهرة إلى أخرى لتصنع العسل، شِعارها التعاون ودِثارها الأمل، مخلوقة مباركة تحدّث عنها الكتاب العزيز، وضُرب المثل بها في الروايات، تُرى لِمَ لا نكون مثلها في عملها ونشاطها، ودقّتها وهمّتها، وجميل صُنعها وعظيم أثرها؟ كوني كالنحلة.. سلسلة مقالات هادفة، تأخذكم في جولة رائعة إلى عالم النحل العجيب، وتدعوكم إلى العمل الدؤوب. يذكر العلماء أنّ النحلة يمكنها أن تمتصّ رحيق وردتين أو ثلاث لتسدّ جوعها، إلّا أنّها تحطّ على عشرات الأزهار في كلّ ساعة لتؤدّي رسالتها، وتنتج عسلاً مباركاً فيه شفاء للناس مثلما أكّد القرآن على ذلك في آياته. ومن عجائب نتاجها: أنّ العسل تتفاوت ألوانه وَفقاً لنوع الأزهار التي تأخذ منها النحلة رحيقها، فنرى البنيّ والأصفر والأبيض الفضّي، والعسل الشفّاف الذي يحكي بتعدّد ألوانه واختلاف آثاره حكمة المولى سبحانه وإبداعه في خلق مخلوقاته. ويؤكّد العلماء على أنّ النحل في عمليّة صنعه للعسل لا يُبذّر ما يحتويه النبات من خواصّ علاجيّة، وأنّه يقوم بنقلها إلى العسل؛ ليكون شربة شفاء لعلاج مُختَلف الحالات المرضيّة، وقد ورد عن النبيّ محمّد(صل الله عليه وآله): "مَن شرب العسل في كلّ شهر مرّة يريد ما جاء به القرآن، عوفي من سبع وسبعين داءً"(1)، فما أعظم نتاج النحلة، وما أكثر بركته ونفعه! رسالتنا من عالم النحل اليوم: نِعم النتاج المبارك. إنّ المتتبّع لآيات القرآن الكريم يجد أنّه يقرن الإيمان بالعمل الصالح وكأنّه يشبّه الإيمان بالشجرة الطيّبة التي تمتدّ جذورها إلى أعماق روح الإنسان؛ لتتفرّع بعد ذلك وتمتلئ أغصانها بالأوراق والزهور، فيكون العمل الصالح بمثابة الثمار لهذه الشجرة الممتلئة بالنور. إنّ العمل الصالح هو انعكاس لما في روح العبد من إشراق وحبّ للمولى (عز وجل)، وكلّما ازداد هذا الحبّ والإشراق تجلّى في السلوك والعمل، فهو أشبه بمصباح يضيء داخل المنزل، لا تقتصر إضاءته على مكان تواجده، بل تسطع أشعّته من كلّ نوافذ البيت إلى خارجه. إنّ مصباح الإيمان إن أضاء قلب الإنسان سطع نوره على لسانه وعينه وسائر جوارحه، فالإناء إن امتلأ فاض، وهنيئاً لمَن كانت آنية حياته مليئة بالعمل الصالح، فلا يخرج من دنياه خالي الوفاض. إنّ أنفاسنا المعدودة وأيامنا المحدّدة تنادينا في كلّ آن: أن استعدّوا للقاء الرحمن، فما هي إلّا أيام، بل دقائق وثوانٍ فترحلون من عالم العمل إلى عالم الجزاء، وهناك إمّا هناء وسعادة أو شقاء وخسران، والسعيد منّا مَن استمع بقلبه وروحه لما قاله أمير المؤمنين (عليه السلام): "فليكن أحبّ الذخائر إليكَ ذخيرة العمل الصالح".(2) فهنيئاً لمَن جعل زاده في لقاء ربّه عملاً صالحاً يرضاه، قد امتزجت كلّ تفاصيله بالإخلاص له وحبّه وتقواه، وعاش فيه متأرجحاً بين الخوف والرجاء، ثمّ قدم به عليه مُستقلّاً ما أتاه، مُحسناً ظنّه برحمة الله جلّ في علاه. ................................... (1) بحار الأنوار: ج63، ص290. (2) ميزان الحكمة: ج5، ص125.