رياض الزهراء العدد 171 منكم وإليكم
تَجلِيَّاتُ الكَمَالِ الإنسَانِيِّ في شُخُوصِ أَهلِ البَيتِ (عليهم السلام)
لعلَ من المُسلّم بهِ هو ارتباط وجود المراتب بوجود الخليقة الأُولى، فالمخلوقات كُلّها من كائنات حيّة وجمادات وما إلى ذلك من موجودات، تندرج في ضمن رُتَب ومراتب، وهذهِ التدرُّجات إمّا أن تكون زمانيّة أو مكانيّة أو معنويّة أو خليطاً من ذلك كلِّه، ففيما يتعلّق بالزمان مثلاً: أنّ خلقَ إبليس سابقٌ على خلق آدم (عليه السلام)، أمّا فيما يتعلّقُ بالمكان، فيوسف (عليه السلام) مثلاً سكنَ القصور المشيدة في مصر، بينما سكن يعقوب (عليه السلام) الصحاري والقفار. إنَّ كِلا المجالين الزمانيّ والمكانيّ يندرجان في ضمن التفاوت الماديّ، أي (الكمّي)، الذي يُقاس بمقاييس ماديّة وفقَ ما يُدركه البشر لا علاقة لها بالقرب أو البُعد عن الله تعالى، أمّا ما يجب التحدّث عليه فهي المراتب المعنويّة التي ترتقي، وتسمّى بالنفوس لبلوغ أعلى درجات القرب من خالقها ومخرجها من العدم، حتّى تذوب في بحر الامتنان، وتحلّق في فضاء العرفان، وتجري في مسالك الحمد والتهليل، عندئذٍ يُصبح المخلوق دالّاً على الوجود المقدّس، مشيراً إلى أنوار الملكوتِ الأعظم. إنَّ أعظم آيات الوجود المقدّس تتجلّى بأبهى صورها في الحقيقة المحمّديّة العلويّة، وحقيقة الطُهر والحشمة الفاطميّة، فنحن عندما نتحدّث عن هاتين الحقيقتين، فإنّما نتحدّث عن جوهرتينِ في عالَم الوجود من الرجال والنساء وصلا إلى مرحلة الكمال الإنسانيّ في أعلى مراتبه، وفي حقيقة الأمر يجب التمييز بين الكمال الإلهيّ والكمال الإنسانيّ، إذ إنَّ ما يُشاع من أنَّ الكمال لله(عز وجل) وحده وليس هناك بشر كامل، إنّما هو خلطٌ للأمور، فالذات المقدّسة تختلف عن الذات البشريّة ولا سبيل للمقارنة بينهما، فنحن عندما نخاطب الباري (عز وجل) فإنّنا نخاطبه بصفات تفوق درجات الإدراك البشريّ والتصوّر الإنسانيّ، مثلما صوّره الإمام زين العابدين :(عليه السلام)"كلّت الألسن عن غاية صفته، وانحسرت العقول عن كنه معرفته".(1) إنَّ لكلّ وجود إمكانيّ غايةً وكمالاً، ومصداق ذلك قوله :(سبحانه وتعالى) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إلّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران: ١٠٢). فوصول المرء إلى حقّ تقاتهِ ما هو إلّا دليل على التكامل الإنسانيّ، وليسَ للباري (عز وجل) أن يُكلّفَ نفساً ما لا تستطيع الوصولَ إليه. ................................ (1) الصحيفة السجّاديّة: ص٥٤٤.