الخَواصُّ والوُجَهَاءُ فِي غَدِيرِ الوِلايَةِ

فاديا عبد المنعم حيدورة/ لبنان
عدد المشاهدات : 139

هناك عند مفترق الطرق، عند غدير (خمّ) كانت الحجّة التي أقامها رسول الله (صل الله عليه وآله) على جميع المسلمين قاطبة، حيث أعلنوا مبايعتهم لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأنّه الإمام المفروض الطاعة بعد النبيّ (صل الله عليه وآله). لكن الأمر لم يطل كثيراً، حتّى جاء وقت العمل، ليثبتوا التزامهم بولاية الأمير(عليه السلام) ، فظهرت منهم خيانة البيعة التي لم يمضِ عليها شهران! فما هذه الأسباب التي أدّت إلى تخاذل المسلمين؟ يمكننا أن نقسّم المجتمع إلى فئات ثلاث: أولاً: من يعدّون خوّاصَّ، وهم الذين يمثّلون عنواناً كبيراً في وجدان بعض المسلمين، والذين كان لمواقفهم تأثير حاسم في الأحداث، وثانياً: الوجهاء من رؤساء العشائر والقبائل، وقادة الجيش والزعماء عموماً، والذين يستطيع كلّ منهم أن يؤثّر في شريحة واسعة، ويرسم لهم الخطّ والنهج الذي يسيرون عليه، وثالثاً: عامّة الناس الذين يكونون في أغلب الأحيان في موقع المتلقّي من الفئتين السابقتين، والمتفاعل معهما. هناك أهداف للخاصّة من الزعماء، منها: 1- حبّ الرئاسة وانحراف الخواصّ: وإذا أردنا دراسة أسباب التخاذل، فنجده بدأ من الفئة الأخطر وهم الخواصّ، حيث بدا حبّ الرئاسة مرضاً مستعصياً في قلوبهم التي لاتزال تحمل أدران الجاهليّة، حيث سعى كلّ منهم إلى أن يكون في موقع قطب الرحى بين المسلمين، فوقفوا في سقيفة (بني ساعدة)، كلّ منهم يحاول جرّ نار الرئاسة إلى قرصه، فكان الزلزال العظيم الذي ضرب وجدان العامّة وجعلهم يتخلّون عن مبايعتهم للإمام عليّ (عليه السلام) في محضر الرسول(صل الله عليه وآله) ، ولم يمضِ عليها سوى شهرين! 2- زينة الدنيا هدف الوجهاء: ثمّ ظهر لدى فئة الوجهاء محاولة تحصيل المكاسب الدنيويّة التي تضمن رفعتهم ووجاهتهم بين الناس، وتؤمّن مصالحهم الدنيويّة لا سيّما حبّ المال والسلطنة التي ظهرت بشكل تدريجيّ ووصلت إلى أقبح صورها في زمن (معاوية) الذي صار معروفاً بصُرَر الدنانير التي بذلها في شراء ذِمم أعيان القبائل، وقادة الجيوش، وقضاة المُدن، وسلاطين البلدان! 3- الخوف الذي سيطر على عامّة الناس: وأمّا عامّة الناس فيكفي ترهيبهم بنماذج بشعة تبقى في الأذهان لتمنع أيّ مبادرة يمكن أن تقوم من جهتهم لتقويم الاعوجاج، وما جرى على (مالك بن نويرة)، وغيرها من الفظائع التي ارتُكبت تحت غطاء "حروب الردّة"، فأوصلوا المجتمع في تلك الحقبة إلى ما وصل إليه، حتّى أصبح مَن أوصى به نبيّ الله(صل الله عليه وآله) إماماً وحيداً لا يجد مَن يعينه على أمور الأمّة. أمّا عن حاضر الغدير، فقد تجلّى معناه وتُرجمت أحرفه مثلما ينبغي عن طريق ما قدّمه عشّاق عليّ(عليه السلام) وأتباعه الذين لم يحضروه في زمنه، إلّا أنّهم عاشوه فكراً ونهجاً، وترجموه عملاً، بدايةً من الخواصّ وحتى الشهداء. وبين مبايعة الماضي والحاضر الإمام عليّاً (عليه السلام) ارتفعت من جديد يده (عليه السلام) محتضنة يد رسول الله (صل الله عليه وآله) وهو يردّد القول: (وانصر مَن نصره)، فكانت النصرة على يد هؤلاء الثلّة من المدافعين الذين برزوا إلى ساحات الدفاع، وكانوا حماة الدين والديار، وأصحاب الولاية قولاً وفعلاً.