المُنقِذُ

رجاء علي مهدي
عدد المشاهدات : 177

قد تبدو فكرة الإمام الغائب المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) للوهلة الأولى فكرةً لعقيدة إسلامية بحته تعالج مشاكل الأمة الناجمة عن تخلّف المسلمين عن وصايا الرسول (صلى الله عليه وآله) وانحراف مسؤولية الخلافة عن مسارها الصحيح الذي نص عليه الشارع المقدس. والحقيقة أن مسألة وجود الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وفكرة قيامه وإزالة الظلم وإنشاء دولة العدل الإلهي إنما هي عنوان لطرح البشرية وتلبية لنداء فطري موجود في داخل كلّ إنسان مهما كان انتماؤه وديانته وسعيه لنيل العدل والتخلص من كاهل الظلم المُلقى عليه. ولهذا نجد أنّ فكرة المنقذ والمصلح هي عقيدة موجودة وحاضرة عند كلّ الديانات والمعتقدات القديمة (المصرية، والصينية، والبوذية، وغيرها) فضلاً عن المسيحية واليهودية، وهذا واضح عن طريق مراجعة عقائدهم بهذا الخصوص. وكان منشأ الخلاف في تحديد هوية المصلح الديني، ولم يقتصر الأمر على الديانات والمعتقدات، وإنما شمل الأفكار الفلسفية والمادية التي آمنت بفكرة الإصلاح وإقامة العدل، يقول السيد محمد باقر الصدر (قدس سره): (لم يقتصر الشعور بهذا اليوم الغيبي والمستقبل المنتظر على المؤمنين دينياً بالغيب، بل امتدَّ أيضاً إلى غيرهم وانعكس على أشدِّ الأيديولوجيات والاتجاهات العقائدية رفضاً للغيب والغيبيات، كالمادية الجدلية التي فسَّرت التاريخ على أساس التناقضات، وآمنت بيوم موعود، تُصفّى فيه كلّ التناقضات ويسود فيه الوئام والسلام). فهذه الأفكار والرؤى إنما نشأت من حاجات الإنسان إلى العدل والمساواة ومن شعوره بالظلم ففكرة المهدي المنتظر (المصلح العالمي) التي جاء بها الإسلام بإقرار من الرسول (صلى الله عليه وآله) بأحاديث متواترة من كلا الفريقين سنة وشيعة هي فكرة جاءت موافقة للفطرة الإنسانية من ضرورة تحقيق العدالة والسعادة في هذه الدنيا قبل الآخرة، وهذا بعينه تحقيق للهدف الذي جاء من أجله الرسل والأنبياء (عليهم السلام)، وجاءت به رسالاتهم السماوية. أمّا تعين هذا المنقذ فلابدّ من انه يكون من قبل مشرع حكيم؛ لأن هذا الإنسان هو الذي سيتولى قيادة العالم وينقض كلّ آثار الظلم والفساد، ويقيم عليها دولة العدل الإلهي، فلابدّ من أن تكون يد السماء هي التي أعدّته إعداداً خاصاً يناسب هذه المَهمة الملقاة على عاتقه، وتعتقد الشيعة الإمامية أن تكون لهذا القائد كلّ الكمالات التي كانت ثابتة للرسول (صلى الله عليه وآله) ما عدا الوحي، إذ لابدّ من أن تكون له امتيازات شخصية تفوق كلّ امتيازات الأفراد الذين من الممكن أن يدّعوا استعدادهم لأن يتصدوا لنيل هذه القيادة. يقول المفكر الإيرلندي برنارد شو في كتابه (الإنسان والسوبرمان) نقلاً عن عباس محمود العقاد في وصف المصلح العالمي: (إنّه إنسان حيٌّ، ذو بِنْية جسديّة صحيحة، وطاقةٍ عقليّة خارقة، إنسان أعلى يترقّى إليه هذا الإنسان الأدنى بعد جهد طويل، وإنّه يطول عمره حتّى ينيف على ثلاثمائة سنة، ويستطيع أن ينتفع بما استجمعه من أطوار حياته الطويلة). وهذا تقريباً يشبه رأي الإمامية في شخصية هذا الغائب المنتظر، وغيبته الشريفة كانت في ضمن الإعداد الإلهي لتكامل المجتمع الذي سيتولى الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) قيادته نحو السعادة وتحقيق هدف رسالة الأنبياء.