رياض الزهراء العدد 171 منكم وإليكم
الإِيحَاءُ الذَّاتِيُّ
الإيحاء هو مخاطبة النفس ومحادثتها بما يحفّزها ويساعدها على تجاوز المواقف الصعبة والأزمات، ولذلك يجب أن يكون الإيحاء ممارسةً يوميّةً لما له من أثر كبير وحقيقيّ في بناء التماسك الداخليّ للإنسان، وترميم ما تمزّق منه مثلما أنّ له تأثيراً في منع سقوطه ضحيّة الشكّ والتردّد، والخوف والإحباط، ومن هنا نجد أنّ الإيحاء الذاتيّ له قدرةً على أمرين مختلفين: أولاً: بناء ما ليس موجوداً في الفرد، مثل بناء الثقة بالنفس والطموح في الحياة. ثانيًا: توقيف الخسائر والانهيار، ولعلّ ما نتلوه في صلواتنا وأدعيتنا فيه الكثير من الإيحاء الذاتيّ، حيث نكرّر على أنفسنا الطاعة والصلاح والخير، مثلما أنّه من الجدير بالذكر أنّ للإيحاء الذاتي تأثيراً حتّى في ما يرتبط بأجسامنا، فهو قادر على منع الأمراض العضويّة من الانتشار، وهو قادر على منع الألم، فالذين يُتقنون هذا الفنّ يستطيعون إراديّاً وعن طريق تحسيس أنفسهم بالبرد أن يمنعوا النزيف الدمويّ بدون اللجوء إلى أيّ وسيلة أخرى. وإذا كان للإيحاء الذاتيّ هذا التأثير في أجسامنا فكيف بتأثيره في نفوسنا؟ فإنّ ممّا لاشكّ فيه أنّ العقل في الإنسان يجذب باستمرار الذبذبات التي تتوافق مع الرغبة المهيمنة عليه، أو أيّ خطّة أو فكرة أو هدف يحمله الإنسان في ذهنه بجذب مجموعة مماثلة من الأفكار والخُطط والأهداف، ويضيفها إلى قوّته لتنمو مع بعضها البعض، وتصبح الدافع المهيمن على الإنسان. إذًا كيف يكون الإيحاء الذاتيّ؟ يكون عبر زرع البذرة الأصليّة لفكرة أو خطّة أو هدف ما في عقلنا عبر تكرّرها في العقل مراراً وتكراراً، فلو أردتَ أن تحقّق هدفاً معيّناً فعليكَ أن تكتب بياناً بهدفكَ المحدّد، وتدخله في ذاكرتكَ، وتكرّره بكلمات مسموعة يومًا بعد يوم حتّى تصل تلك الذبذبات إلى عقلكَ الباطن. وباختصار إنّ سنّة الله (سبحانه وتعالى) تدعم الطبيعة لمَن يستخدم عقله بشكل بنّاء عن طريق الإيحاء الذاتيّ الإيجابيّ، مثلما أن الطبيعة تدعم بشكل سلبيّ مَن يقوم بالإيحاء الذاتيّ السلبيّ، وهذا القول يتضمّن حقيقة مهمّة، وهي أنّ أولئك الذين يفشلون وينهون حياتهم بالفقر والبؤس والحزن، إنّما يصلون إلى تلك النتيجة بسبب التطبيق السيّئ لمبدأ الإيحاءات الذاتيّة، كالرياح التي تحمل السفن إمّا في اتجاه الشرق أوفي اتجاه الغرب، فيمكن لقانون الإيحاءات الذاتيّة التلقائيّة أن يوصلكَ إلى مبتغاكَ أو يضلّ بكَ الطريق الذي تبحر فيه أفكاركَ. وأخيرًا إذا لم تتمكّن من توجيه عواطفكَ عند محاولتكَ الأولى، فلا تشعر بخيبة أمل، وتذكّر أنّه لا توجد إمكانيّة وجود شيء مقابل لا شيء، ولن يكونَ باستطاعتكَ الغشّ حتى لو رغبتَ في ذلك، وأنّ ثمن قدرتكَ على التأثير في عقلكَ الباطن هو المثابرة الدائمة، ولن يكون بإمكانكَ تطوير تلك القدرة بثمن أقلّ من ذلك، فأنتَ وحدكَ تقرّر ما إذا كان العائد الذي تسعى إليه يستحقّ الثمن الذي تدفعه عبر جهودكَ أم لا؟