رياض الزهراء العدد 171 منكم وإليكم
قِرانُ الزَّهراءِ (عليها السلام) في السَّمَاءِ
دارت الملائكة في السماء الرابعة حول تفّاحة الجنّة عند سدرة المنتهى، وسطع نور النبأ العظيم من العرش المكين، فأشرقَت وأزهِرت للسموات والأرضين، نُصِب منبر الكرامة، فعلاه (راحيل) أحسن الملائكة منطقاً وأحلى لغةً، وبعد التمجيد والتهليل قال: اختار الله(عز وجل) الملك الجبّار صفوة كرمه، وعبد عظمته لأمته سيّدة النساء، بنت خير النبيّين، فوصل حبله بحبل رجل من أهله، صاحبه المصدّق دعوته، المبادر إلى كلمته، عليّ(عليه السلام) الوصول بفاطمة البتول (عليها السلام)، ثمّ خطب جِبريل(عليه السلام) ، ونثرت سدرة المنتهى الدرّ والجوهر والمرجان، فابتدرت الحور العين يلتقطنَه ويتهادونَه إلى يوم القيامة، وشهد قِران الزهراء (عليها السلام) أربعون ألف ملك، وصار يوماً خالداً لا يُنسى في السموات والأرضين. المتأمّل في هذه الروايات التفصيليّة عن عقد قِران الزهراء (عليها السلام) المرضيّة، التي تثير التساؤلات عن مدى هذا الاهتمام بإقامة حفلة الوحيدة الفريدة في السماوات العُلى، ويشهد عليها الملائكة المقربّون يلخص إلى أنّ كلّ ذلك كرامة لفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها(عليهم السلام) ؛ ففاطمة(عليها السلام) فجر ساطع انبلجت من جنبيه شمس الإمامة والولاية والنبوّة، وهي سماء عُليا ضمّت بين جوانحها كواكب الولاية الدريّة، ولا يخفى على أحد أنّ الزواج هو سرّ بقاء البشريّة، وزواج الزهراء (عليها السلام) هو بقاء لذريّة خاتم المرسلين وسيّد الوصيّين(صل الله عليه وآله) ، وتحقيق لأهداف الرسالات السماويّة، وحلم الأنبياء بنشر العدالة الإلهيّة على يد منقذ البشريّة، وفي الأرض زوّجها رسول الله(صل الله عليه وآله) بمهر قليل وزفاف متواضع، حتّى يقتدي الناس به، وصار مهر السنّة (500) درهم، وهو ثمن درع أمير المؤمنين(عليه السلام) ، وجعله (صل الله عليه وآله) نهجاً لتذليل الصعاب، وتفكيك أغلال الطبقيّة وأعراف الجاهليّة، ورَضِيت الزهراء (عليها السلام) نزولاً عند رغبة والدها، وتحقيقاً لأهدافه الحكيمة، ولكنّها لم تنسَ حقيقتها الشريفة، فلم ترضَ بالدراهم مهراً لها؛ لأنّها سيدة نساء العالمين، فطلبت أن يجعل الله مهرها الشفاعة للمذنبين من أمّة أبيها، كلّ هذه القدسيّة والاهتمام والتهليل والتمجيد هو لتقديس الزواج الذي هو أساس المجتمع، وقد أجازته الشرائع السماويّة المتقدّمة بأجمعها، وأكّد الإسلام عليه، حيث رُوي عن رسول الله:(صل الله عليه وآله) "ما بُنِيَ بناء في الإسلام أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من التزويج".(1) وبناءً على ما للزواج من خطورة ومكانة مهمّة في النظام الاجتماعيّ، تولّى الشارع المقدّس رعايته بدقّة وتفصيل منذ اللحظات الأولى للتفكير فيه حتّى إتمامه، وضع الأحكام والأنظمة والقيود ليستحكم بهذه الرعاية المقدّسة والحماية، ممّا يُشعر الزوجين بأنّهما يرتبطان برباط مقدّس، وميثاق غليظ لحفظ الأسرة من الانهيار ومصائد الشيطان؛ لأنّه طريق لتهذيب النفس والوصول إلى عبادة الله(عز وجل) ، والسير على السنّة المحمّديّة، وقد قال رسول الله(صل الله عليه وآله) : "النكاح سنّتي فمَن رَغِب عن سنّتي فليس منّي".(2) أمّا اليوم فنرى بعض الشباب غرق في بحر الشهوات المتلاطمة، وتاهت الكثير من النساء في عالم العنوسة وكآبة الوحدة بسبب غلاء المهور، وتناسوا أنّ الزواج ليس قصوراً ومجوهرات، إنّما هو عبادة لله تعالى وطاعة نصل بها إلى الكمال وإعمار الأرض بالذريّة الصالحة، فالحياة الزوجيّة تبدأ بعقد ومهر، وتنتهي بحياة أبديّه في جنّات الخلد بمشيئة الله، لقوله تعالى: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )(غافر: 8). فليكن عقد النكاح أبديّاً سرمديّاً كزواج النورين الذي أنار الكون بأسعد عائلة على وجه الأرض، وهو البيت (العلويّ الفاطميّ) الذي اندمجت عناصره فأنتج عناصر الأبرار، وساسة العباد وأركان البلاد. ......................................... (1) وسائل الشيعة: ج20، ص2-29. (2) ميزان الحكمة: ج4، ص181.