خُطوَةُ الإِنعَاشِ الأَخِيرَةُ

نور مؤيد آل مطلك/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 149

كانوا يمشون بخطوات تتذبذب بين السرعة والبطء، وبين الحماس والخيبة، وبين الرغبة الجامحة بإظهار الحقّ، والخوف والحزن على ما سيُفتدى به كي يظهر، خطواتهم كانت تعكس خلجات صدورهم وما يجري في دواخلهم من صراعات بين طيبة القلب وحبّ السلام، وبين إعلاء كلمة الحقّ على رغم التضحيات والصعوبات. المباهلة كانت المحاولة الأخيرة التي قام بها رسول الرحمة (صل الله عليه وآله)لهداية نصارى نجران، إنّها بمنزلة خطوة الإنعاش الأخيرة لمريض قبل فقدان الأمل في عودته إلى الحياة، إنّها كآخر شعاع ترسله الشمس إلى الأرض قبل غروبها ووداعها، لقد كانت بمنزلة القطرة الأخيرة التي ستنزل من غيمةٍ قبل انتهاء موسم الأمطار. كان الاتّفاق بين النبيّ(صل الله عليه وآله) وبين نصارى نجران أن يتلاعنوا فيما بينهم، فمَن كان على الحقّ نجا، ومَن كان على طريق الباطل تجري عليه اللعنة والهلاك، قال الله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (آل عمران: 61)، أحضر الرسول(صل الله عليه وآله) معه أهل بيته(عليهم السلام) ليُباهل بهم، وقد كانوا يمشون بخطوات مطمئنّة رقيقة، كرقّة انسياب قطرات الندى صباحاً على أوراق النباتات الناعسة. ولمّا أراد أن يدعو الرسول(صل الله عليه وآله) باللعنة على الظالمين طلب من أهل بيته (عليهم السلام)أن يؤمّنوا، فرفعوا أيديهم إلى السماء، لكن ما أجمل أن تتغيّر الأقدار فجأة! مثلاً لو تنازل النصرانيّون عن عنادهم وقبلوا بالحقّ؟ أو أن ينتهي هذا الموقف بسلام بدون أن يُصاب أحد بأذى؟ وفعلاً قد تغيّر القدر! ففي اللحظات الأخيرة جاء أحد النجرانيّين إلى رسول الرحمة(صل الله عليه وآله) طالباً منه أن لا يدعو عليهم، وسوف يمتثلون لأوامره بدفع الجزية في مقابل بقائهم في المدينة وعلى دينهم،(1) وهو بدوره (صل الله عليه وآله) لم يجبرهم على اعتناق الإسلام، بل ترك لهم حريّة الاختيار، قال الله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ..) (البقرة: 256). .................. (1) نقل بتصرف من كتاب كلمات الرسول: ج1، ص163.