النُّورُ الثَّاقِبُ
كان قلبه يخفق بشدّة لدنوّ خبر البشارة المرتقبة، ولادة جديدة لقطعة من قلبه وفلذّة كبده، كان سرور الإمام محمّد الجواد (عليه السلام) مختلفاً عن غيره لعلمه بأنّ هذا المولود هو خليفته في الإمامة من بعده. نَوَّرَ الدُنيا بِقدومِه، سمّاهُ والِدهُ (عليّاً) وكنّاه بـ(أبوا الحسن (عليه السلام))، اعتدل سَند الوالد بولده الذُخر المَنتَظَر من بعد الله تعالى، وتُقدّم الأيام جبلاً للقيم السامية والأخلاق العظيمة المتمثّلة بولده عليّ الهادي(عليه السلام) ، فورّثه الحكمة والعلم والصبر والحلم، آخذاً ذلك من علوم الأطهار، فيكونُ قائداً وإماماً من العليّ الجبّار. استلم زمام الإمامة وهو في عهد الصِبا لعمر ناهز الثماني سنوات، عندما أودعه أبوه نور حياته، فكان عالماً بالقرآن وبكلّ الأمور، حتّى جاء في أحد أقواله في وصف حقيقة التوحيد والإخلاص لله (سبحانه وتعالى): "إنّ الله لا يُوصف إلّا بما وَصَف به نفسه، وأنّى يُوصف الذي تعجز الحواسّ أن تدركه، والأوهام أن تناله والخَطَرات أن تحدّه، والأبصار عن الإحاطة به، نأى في قربه وقرب في نأيه، كَيّفَ الكيف بغير أن يُقال كيف، وأيّن الأين بلا أن يُقال أين، هو منقطع الكيفيّة والأينيّة، الواحد الأحد جلّ جلاله وتقدّست أسماؤه"(1). لم يَردّ خائباً من التجأ إلى علمه وعطائه، قصده القاصي والداني، غفا الناس مطمئنّين تحت جناح إمامهم، حتّى أحسّت ذيول الشيطان بالخوف والتوجّس من أن ينهض المظلوم ويطالب بحقّه، فبعث إلى الإمام (عليه السلام) حاكم الدولة العباسيّة بالقدوم إليهم، وترك مكانه في المدينة المنوّرة؛ ليكون نصب أعينهم، وقاموا بالتضييق عليه بشتّى الطرق؛ لكي يمنعوا الناس من الارتباط به، والانتهال من عَذب بحر العِلم لإمامهم المعصوم. اجتمعت في شخصيّة الإمام الهادي (عليه السلام) كلّ عناصر الفضل والكمال الإلهيّ التي لا يمكن الإحاطة بها وتصويرها، لذا عمّ نوره الوجود من ولادته حتى استشهاده، وأفاض على العالمين ما أفاض جدّه (صل الله عليه وآله) وآبائه الأئمة ع فهو امتداد لهم صلوات الله عليهم أجمعين. ........................................... (1) بحار الأنوار: ج4، ص 303