سِرُّ اختيارِ مُسلم بنِ عَقيلٍ (عليه السلام) سفيراً للإمامِ الحُسينِ (عليه السلام)
يملك الإمام الحسين (عليه السلام) الكثير من أولاد العمّ، لكن لِمَ يا تُرى اختار (عليه السلام) مسلمَ بن عقيل(عليه السلام) ؛ ليكون رسوله إلى أهل الكوفة؟ وكيف نال ابن عقيل (عليه السلام)؟ ثقة الإمام الحسين(عليه السلام) ؟ وقد خاطب الإمام الحسين(عليه السلام) أهل الكوفة برسالته: "وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي مَلَئِكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأتُ في كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله تعالى"(1). اختار الإمام الحسين (عليه السلام) ثلّة نادرة، ونخبة واعية حتّى تملأ أرجاء الطفّ بألوان التضحية وشذا الوفاء؛ ليكونوا أنجماً مضيئة في سماء الطفّ على مرّ العصور والدهور، وكان لكلّ بطل منهم قصّة وعِبرة يُحتذى بها، وليس بعيدة عنّا قصص فرسان الطفّ التي أزهرت بها مجالس عاشوراء، وسيرتهم التي تغنّى بها خطباء المنبر الحسينيّ، ومن بين نجوم الطفّ كان هنالك فارس له وقع خاصّ وأثر كبير في ملحمة عاشوراء، هو مسلم بن عقيل(عليه السلام) . تعدّ مهمّة مسلم بن عقيل(عليه السلام) مفصلاً مهمّاً في النهضة الحسينيّة؛ لأنّها كشفت عن الحقائق الخافية خلف ستار الشعارات والوعود الكاذبة، وأطلقت شرارة الصراع والحرب بين مفاهيم الفضيلة ومفاهيم الرذيلة، وهذا الكشف بحدّ ذاته كان يمثّل مهمّة رسالة عظيمة. كان مسلم بن عقيل(عليه السلام) من أشرف بيوت العرب، بل من عين الأشراف من قريش من بني هاشم، فأبوه عقيل بن أبي طالب (عليهما السلام)العالم بأنساب العرب، وجدّه أبوطالب(عليه السلام) مؤمن قريش، وكافل رسول الله(صل الله عليه وآله) ، ومُربّيه وحاميه وناصره، وجدّه الأكبر عبد المطّلب بن هاشم، سيّد البطحاء وسيّد مكّة، هذه السلسلة أعطت لشخصيّته بُعداً قويّاً بما يمتلكه من مؤهّلات نَسَبيّة عَطِرة، ومن ناحية التربية فالبيئة التي تربّى فيها بيئة نقيّة مرتبطة بالله تعالى ارتباطاً وثيقاً، غذّته منذ نعومة أظفاره بغذاء الأخلاق والإيمان، وألبسته لباس التقوى، قال الإمام عليّ (عليه السلام) لرسول الله(صل الله عليه وآله) : يا رسول الله إنّكَ لتحبّ عقيلاً ؟ قال: إي والله، إنّي لأحبّه حبّين: حبّاً له، وحبّاً لحبّ أبي طالب له، وإنّ وَلَده لمقتول في محبّة ولدكَ، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلّي عليه الملائكة المقربّون، ثمّ بكى رسول الله (صل الله عليه وآله)حتّى جرت دموعه على صدره، ثمّ قال: إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي"(2). تمتّعت شخصيّة مسلم بن عقيل (عليه السلام) بمزايا استثنائيّة لم تكن موجودة في غيره من القادة الآخرين، فهو رجل صاحب فطنة وذكاء، تتوافر السمات القياديّة في شخصه الكريم، وله ثقة مطلقة بنفسه وبذاته، وقدرة كبيرة على مواجهة المشكلات التي تعترضه، مع عدم الاستسلام والخنوع لها والتهرّب منها، فقد صاغته آيات الكتاب الكريم، وسوح الجهاد وعبادة الأسحار؛ حتّى رفعه الله مقاماً محموداً. انطلق مسلم(عليه السلام) من مكّة حاملاً هموم أمّة أرادها الله تعالى ان تكون خير أمّة، وأرادها الدخلاء والطُلَقاء مطيّة لأهوائهم، وودّعه الإمام الحسين (عليه السلام) بالقول: "إنّي موجّهكَ إلى أهل الكوفة، وهذه كتبهم إليّ، وسيقضي الله من أمركَ ما يحبّ ويرضى، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنتَ في درجة الشهداء، فامضِ على بركة الله"(3). ها هو التاريخ يعيد نفسه، وواقعة الطفّ التي نصرت الحقّ على الباطل سوف تُعاد بقيادة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وسيختار أنصاره مثلما فعل جدّه الإمام الحسين(عليه السلام) ، لذا يجب علينا أن نحذو حذو ابن عقيل (عليه السلام)؛ لننال شرف الاختيار من صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف). .................................. (1) الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص39. (2) بحار الأنوار: ج22، ص288. (3) كلمات الإمام الحسين (عليه السلام): ج1، ص309.