رياض الزهراء العدد 83 أنوار قرآنية
شَذَراتُ الآيات_ 20
(اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)/ (النور:35) في الآيات السابقة من سورة النور ذكر القرآن الكريم أغلظ ما في الكيان البشري من (شهوة العين ورغبة التجريح والتشهير والغضب وغيرها) فعالج الفاحشة من أن تشيع في النفس والحياة والقول...(1) وبمعنى آخر ذكر الأحكام الأخلاقية والاجتماعية المرتبطة بالطهارة والنزاهة لجوارح الإنسان. إذ سمت آياته بالإنسان من الآفاق المظلمة إلى الآفاق المنيرة. فناسب في هذه الآية أن تحدّث القرآن الكريم عن عالم النور، عالم الإله الذي أنار كلّ شيء من نور وجهه فقال: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)/ (النور:35)، والنور: هو الظاهر في نفسه المُظهر لغيره, بل إن النور الخارجي رشحة لنوره سبحانه وتعالى الذي غمر الكون, وأظهر كلّ شيء, وأوجد كلّ موجود...(2) من البديهي أن المراد من كلمة نور في عبارة (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ليس هذا النور المحسوس المعروف لدينا؛ لأن هذا النور هو أحد مخلوقات الله (عز وجل)، خلقه لكي لا يتخبط العالم في ظلمة تغمره بأسره. وحتى القرآن لكريم يتحدّث على الدوام عن مصدره وهي (الشمس والكواكب) وكلها مخلوقات الباري (عز وجل)، والشخص الذي يعتقد غير ذلك يكون لديه خلل في إيمانه. إلا أن كلمة (النور) لا ينحصر مصداقها في النور الحسي. بل وُضعت هذه الكلمة للدلالة على ما هو ضوء ومضيء. أي ما هو واضح وموضح لغيره، ونحن نستطيع أن نُسمّي كلّ ما هو واضح وموضح لغيره نوراً، حتى وإن لم يكن جسماً أو شيئاً محسوساً مثلاً نُسمّي العلم نوراً كما جاء في الحديث: "العلم نور يقذفه الله (عز وجل) في قلب من يشاء"(3) إذ هو واضح وموضح بذاته وموضح للعالم، في حين هو ليس من جنس نور الكهرباء أو الشمس، وكذلك نُسمّي العقلَ نوراً بذاته وجاء في القرآن الكريم (الإيمان نور) حين قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ)/ (الأنعام:122). وهذا النور يُحدث في باطن الإنسان نوعاً من الإيضاح والكشف، ويدلّه على الهدف والغاية ليصل إلى طريق السعادة. حينما نفهم كلمة (النور) بمعنى الحقيقة الواضحة والموضحة ثم لم نحدد هل وضوحها للعين أم للقلب أم للعقل، ولم نعين كيفية وضوحها، يصحّ عندها أن نعدَّ الله (عز وجل) نوراً بهذا المعنى. أي معنى الحقيقة الواضحة الدالة على ذاتها، وانطلاقاً من هذه الرؤية ما من شيء يعدّ نوراً مقابلهُ (عز وجل) أي: كلّ الأنوار إزاءه ظلمات؛ لأن الوحيد الواضح بذاته هو (عز وجل) فقط؛ لذا كلّ المخلوقات الواضحة والموضحة هي في الحقيقة ظلمات في ذاتها، وأنه تعالى هو الذي أعطاها صفة الوضوح والإيضاح. جاء في القرآن الكريم في وصف الباري (عز وجل): (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ)/ (الحديد:3) وكلمة الظاهر هنا بمعنى الوضوح، فالله (عز وجل) خالق الأشياء أي بمعنى هو مبديها ومظهرها، وقد جاءت كلمة نور في الأدعية والزيارات كاسم من أسماءه (عز وجل) وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعاء كميل جملة: "وبنور وجهك الذي أضاء له كلّ شيء" أي إذا لم يكن نور وجهك فكلّ شيء مظلم بل كلّ شيء في ظلمة العدم، ولا يعني هذا أن الأشياء موجودة ولكن في ظلام مثلما نكون نحن في ظلام الليل. القضية المهمة: هل يجوز إطلاق (كلمة النور) على الله (عز وجل) أم لا؟ يمكن ذلك استناداً إلى أن الأئمة أطلقوها في حقّه من جهة، ولأن ظاهر هذه الآية القرآنية يدلّ على هذا المعنى من جهة أخرى. كما أن هذا لا يتعارض مع الدليل العقلي من جهة ثالثة. إذن المعنى الوحيد المقصود من قولنا (الله نور) هو أنه (عز وجل) واضح في عالم الخلقة وموضح لغيره، وكلّ نَيِّر غيره إنما يستمد نوره منه تعالى الذي هو ظاهر بذاته، ولم يظهره شيء آخر. وثمة مسألة أخرى هي أننا نُسمّي الله (عز وجل) نوراً ولكن لا نسميه أبدا (بالنور الأعظم)؛ لأن هذا يدلّ على وجود أنوار كبيرة وصغيرة وأنه تعالى يكون أكبرها وأعظمها، بل نقول إنه نور بمعنى أن كلّ ما سواه ظلمة.(4) ............................... (1) الحياة السعيدة: ص129. (2) تقريب القرآن للأذهان: ج3، ص704. (3) بحار الأنوار: ج1، ص225. (4) تفسير سورة النور: ص74- ص78.