صَباحُكَ نورٌ، صَبَاحُكَ أَنتَ

مريم حسين العبودي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 357

إنَّ شغفي بالصباح ليس ناتجاً عن رغبة بشريّة عاديّة نحو البدايات، وليس واجباً أستثقله أو مُنبّهاً مُزعجاً يرِنُّ في أُذنيّ، فأُصابُ بالاشمئزاز من موسيقاه اليوميّة المشؤومة، إنّ هيامي بالاستيقاظ الباكر يمنحني وقتاً مع نفسي، فلم أكن أجدُ نفسي في أيّ وقتٍ خلال اليوم مثلما أفعلُ صباحاً، كأنّ الكون انقسم لنا على جُزأينِ، وكأنّ كلّ البشر قد ضيّعوا جزءاً منهم، وقُدِّر لهم أن يجتمعوا بهِ كلّ يوم في وقتٍ محدّد يستشعرونه في أرواحهم، فمنهم مَن لهُ الليل ومنهم مَن له الصباح. تكون طاقتي الروحيّة خفيفةً كُلّما أبكرتُ في الاستيقاظ وتأخّر الآخرون في الصحو، وكلّما بدأت أول التحرّكات البشريّة، وتعالت الأصوات الكونيّة بشكلٍ تدريجيّ، كلّما شارف وقتي الروحيّ على الانتهاء، بداياتهم المملّة والرتيبة تُنهي بداياتي المُحبّبة واللذيذة، وكلّما قارب النهار من الانتصاف ثقُل قلبي وبدأ مزاجي المنتعش بالتضاؤل. منذ أمدٍ بعيد، مُذ طفولتي كنتُ أُحبّذ الأوقات التي يختفي فيها الآخرون، السويعات التي تجعل الوجود في حالةٍ من السُبات والصمت، الصباحات الباكرة، وقت الظهيرة، ألّا أستمع لأصوات وأحاديث بشريّة، لا همهمات ولا كلمات تنطلقُ في الفضاء الرحب، بل أنغمرُ في ذاتي، في أعماقي السحيقة فحسب. أفكّرُ أحياناً بأنّ الله تعالى خلق كلّ قسمٍ من الناس في وقتٍ مختلف من النهار، ويمكنني الجزم بأنّهُ خلقني في صباحٍ باكر جدّاً، كانت الملائكة فقط هي اليقظة فيه. وللشتاء النصيب الأجمل من تَوْقي إلى انبلاج النور في دقائق الفجر، كأنّكَ تحظى بميزة فذّة، لا يتشجّع أحدٌ على ترك فراشه الدافئ في أيامٍ قارسة البرودة، بينما تستمتعُ أنتَ بأن تفتح عينيكَ، تجذبكَ طاقة الكون نحوها، تُغريكَ النسمات بطيبها، وتتمايل الأغصان لتأخذكَ معها، فيكون مع أعماقكَ في موعدٍ سماويّ خاصّ، تحظى بمحادثةٍ زرقاء مع أول زقزقة الطيور، تؤدّي تحيّةً عذبة لتلك الغيوم المتعانقة في أسرابٍ قطنيّة بيضاء، تتحرّر، تستسلم، تتسامى، تتوهّج، تتشرّبُ عبق الفجر، تصمتُ منتشياً بأنّكَ معكَ فقط، منتظراً اليوم الآتي، الفجر القادم، لتغرق مجدّداً فيكَ، فيكَ أنتَ وحسب.