فَضَاءُ البَوحِ

خديجة عليّ عبد النبيّ
عدد المشاهدات : 230

أنا من بعدكِ أحاول أن أبتكر الحياة من جديد، عيناك ِالمطلّتانِ على المدينة الفاضلة دوماً لا تزالان تربكانني.. عيناكِ التي لطالما كنتُ أشعر أنّهما تبتعدان نحو مكان ما، كجرمينِ سماويّين يغوصان في الهُلام، هذه المرّة سأكتب هذا النصّ، ولن أقرأه على مسامعكِ يا أمّي، مسامعكِ التي باتت تفصلها عنّي مليارات السنين الضوئيّة، من مطلع الحبّ سأبدأ، عند الجانب الأيمن من الوادي المقدّس، هناك تستقرّ مدينتكِ الفاضلة، تطلّ شرفات قلبكِ على شاطئ العلقميّ، السرّ العظيم الذي ألقمتِنا إيّاه مع لبنكِ، حتّى اكتمل نصاب العشق في أرواحنا له، ومنه عرفنا الله تعالى.. فيا الله! أيّها الربّ الرحيم ما الموت؟ ذلك الباب الموارب لباب الغيب، لباب الحقيقة الوحيدة التي لا ندركها في هذا العالم إلّا حينما يُستلّ منّا بعض الأحبّة! الفَقْد هو ما يجعلنا نتذكّره، هو مَن يعيد تحريك أغصان التوحيد في عروقنا ويهزّ أشجار غابات الإيمان بعنف، الحدث العظيم العميق الذي حارت فيه عقول البشر، مَن مضت ورسمت له آلاف السيناريوهات السماويّة وغير السماويّة، وسيبقى هذا الأمر مبهماً أيضاً لمَن سيأتي لاحقاً.. وطوال عمرنا نحن نختصر الدنيا، نختصر وجودنا في مشاعرنا، بل ونكوّره ككُرة صوف يلهو بها قطّ عابث، إنّها تضيق مثلما انكمشت هذه المشاعر وتتّسع مثلما اتّسعت، تغرقنا كالموج إذا ما انفلتت منّا، ما نحن سوى سرب غيوم محمّلة بمياه أمطار عوالمنا الداخليّة، نهطل على أرض الواقع الذي هو مَن يحدّد تدفّقنا، وربّما كان القدر هو مَن يفعل ذلك.. بعد ذلك.. بعد أن تمرّ بمراحل عديدة ومتنوّعة من الحزن والفرح في رحلة الوجود هنا، وبعد أن تتجاوز مطبّات نفسيّة وماديّة كثيرة، إيّاك أن تمرّ عليها من دون أن تنضج بنار الحكمة أو تزهر بأزهار الشكر، واسأل الله(سبحانه وتعالى) أن يريكَ مساحات الخير في كلّ شيء يحدث فمهتَه أم لم فهمتَه، أدركتَه أم لم تدركه.