رياض الزهراء العدد 172 أنوار قرآنية
بِالشُّكرِ تَدُومُ النِّعَمُ
من القوانين الإلهيّة التي سنّها الله تعالى في الحياة هو قانون الشكر، وهذا القانون الإلهيّ يسري عليه حكم القوانين الفيزيائيّة التي تنصّ على أنّ لكلّ فعل ردّة فعل. (إنّ حالة الشكر ميل فطريّ يشعر به الإنسان في نفسه تجاه كلّ مُنعِم بلحاظ إنعامه، وبوسع كلّ فرد أن يختبر ذلك في باطنه، أي عندما يُحسن شخص إلى شخص آخر ويعطيه نعمة، فإنّ المُنعَم عليه يشعر بشعور خاصّ تجاه المُنعِم، فيكون ذلك منشأً لشكره واحترامه، يقدّره بلسانه ويسعى عمليًّا بأن يتناسب سلوكه مع إحسانه، هذه كلّها مراتب الشكر، والمنشأ لجميعها هو الشعور الذي ينشأ في قلبه، الآن مع ملاحظة هذا الميل العامّ والفطرة لنوع الإنسان نقول: نظرة إلى إمكانيّة إدراك أنّ الله تعالى هو المُنعِم الأول للإنسان بالمعرفة الدقيقة، وأنّه هو الذي يُعطي المخلوقات النِعم الصغيرة والكبيرة، الباطنة والظاهرة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، هذا الشعور إزاء الله تعالى يجب أن يكون في قلب الإنسان أعمق وأكمل؛ لأنّ نِعمه كبيرة وعميقة ولا تُحصى).(١) وتكمن أهميّة الشكر بأنّه يعدّ أعلى منازل الإيمان إذا ما اقترن بالصبر، وتكمن عظمة هذه المناصفة استنادًا إلى قوله تعالى: (إنّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) ( لقمان: 31). وإذا شكر العبد النعم فالله (سبحانه وتعالى) سيزيده من فضله، وتعود فائدة الشكر على الإنسان، لقوله تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)(إبراهيم: ٧). وكلّما زاد الشكر زاد الله (سبحانه وتعالى) فيوضاته على الإنسان، فيقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "إنّ النِّعمة مُوصَّلةٌ بالشُّكر والشُّكر معلَّقٌ بالمزيد، وهما مقرونان في قرنٍ، فلن ينقطع المزيد من الله حتّى ينقطع الشُّكر من العبد".(٢) إنّ مَن أراد أن يزداد علمًا أو مالًا أو جاهًا فعليه بشكر الله تعالى، ويتحقّق الشكر في العطاء، فعن أبي بصير قال: "قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): هل للشكر حدّ إذا فعله العبد كان شاكرًا؟ قال: نعم، قلتُ: ما هو؟ قال: يحمد الله (عز وجل) على كلّ نعمة عليه في أهل ومال، وإن كان في ما أنعم من ماله حقٌّ أدّاه".(٣) ومن أصناف الشكر شكر اللسان، ويكون عن طريق التحدّث بالنعمة، إذ قال تعالى: (وأمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى: ١١). فذكر النِعم شُكر، وفي مناجاة الإمام السجّاد (عليه السلام) نقرأ: "فَكَيْفَ لِي بِتَحْصِيلِ الشُّكْرِ وَشُكْرِي إِيَّاكَ يَفْتَقِرُ إِلى شُكْرٍ؟ فَكُلَّما قُلْتُ: لَكَ الحَمْدُ وَجَبَ عَلَيَّ لِذلِكَ أن أَقُولَ: لَكَ الحَمْدُ".(٤) وجُعلت معرفة النعمة شكرًا، فرُوِي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "ما أنعم الله (عز وجل) على عبد نعمة فشكرها بقلبه إلّا استوجب المزيد فيها قبل أن يظهر شكرها على لسانه"(٥)، وأعظم مصاديق الشكر هي السيّدة زينب (عليها السلام)، فعلى الرغم من المصائب التي حلّت بهم، استقبلت ذلك بالشكر ولم تُظهر الشكوى، بل صلّت صلاة الشكر لله (سبحانه وتعالى) على الفاجعة التي حلّت بهم، ففيها نصر للإسلام ورفع لراية التوحيد وكلمته، وبقيت كلمتها الخالدة مرتسمة في الأفلاك وصادحة في الآفاق: "ما رأيتُ إلّا جميلًا".(6) وبهذا ترشدنا إلى الخُلق الرفيع، والتعامل المطلوب بإزاء حالات المصائب، فهي لم تسكت عنها وحسب، وإنّما أعطت بسيرتها وممارستها درسًا بليغًا في جمع الأطفال والنساء، وهكذا ينبغي أن تتجذّر القِيم في نفوسنا. ........................................... (1) الأخلاق في القرآن: ج١، ص٣٤٨. (2) مستدرك الوسائل: ج١، ص95. (3) بحار الأنوار: ج٦٨، ص٢٩. (4) ميزان الحكمة: ج٢، ص١٤٦. (5) بحار الأنوار: ج٦٨، ص٥٣. (6) المصدر السابق: ج45، ص116.