ثُنَائِيَّةُ الإيمانِ وَالعَمَلِ بَينَ النَّهضَتينِ

أنعام تمّار الكعبيّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 209

بين حنايا الغيبة والظهور، لا تخلو الأرض من حجّة يهدي الناس من الظلمات إلى النور. في هذه الأيام التي تتأجّج فيها الحسرة، ويتجدّد الحزن، يحدو بكلِّ مؤمن صدق الولاء إلى تمنّي النصرة في ركاب الشهادة، ونيل شرف حَظِي به أصحاب الحسين (عليهم السلام)، ولكن ليت شعري هل يسعنا أن نخطو خطاهم، أو نقف موقفهم؟ فهل يا تُرى عُدمنا المشاركة أو فاتتنا الفرصة، أم لا يزال إلى ذلك سبيل يُرتجى؟ إنّ النظرة إلى خارطة الولاء لحجّة الله (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في هدفها وركائزها يُجلي لنا حقيقه الحال، فوَحدة مشروعي الإصلاح الحسينيّ والمهدويّ من جهة، ووَحدة ما يُعزى إلى كلّ مؤمن من مسؤوليّة نحوهما من جهة أخرى، يؤكّد لنا أنّ الفرصة لا تزال سانحة، بل أنّه صدق الولاء للحسين (عليه السلام) يتجلّى في نجاح الموقف من المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، والذي نجده يتجسّد بأمرين بحسب ما أشارت إليه نصوص أهل البيت (عليهم السلام)، وهما: 1- الموقف الإيمانيّ: وهو لا يقتصر على الإيمان بوجوده المبارك، بل يعني السلامة الفكريّة من المضلّات، ومن الجهل والشبهات التي تتصادم مع الاعتقاد بأنّه حجّة الله (عجل الله تعالى فرجه الشريف) التي لا تخلو منه الأرض مهما طال الغياب وزاد الارتياب، وإنّه مشروع السماء الذي لا يُخلف وعده. فعن الإمام الحسين (عليه السلام) أنّه قال: "منّا اثنا عشر مهديّاً، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وآخرهم التاسع من وُلدي، وهو الإمام القائم بالحقّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، يُحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دين الحقّ على الدين كلّه ولو كره المشركون، له غيبة يرتدّ فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون، فيُؤذَون ويُقال لهم: (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين)، إمّا إنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب، بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله "(صلى الله عليه وآله)(1)، ولذا ورد في دعاء زمن الغيبة: "اللّهمّ عرّفني حجّتكَ فإنّكَ إن لم تعرّفني حجّتكَ ضللتُ عن ديني".(2) 2- الموقف العمليّ السلوكيّ: وهو الركيزة الثانية بعد السلامة الفكريّة في خارطة الولاء، فالمهديّ (عليه السلام) مشروع إلهيّ يقيم به موازين العدل، فلا يكون تمام الوفاء العمليّ للمُعتقِد مقتصرًا على حدود المحبّة، ومجرد الإحساس والشعور بالميل إلى منهجه، بل يعني توطين النفس وتسليمها لتقبّل ما يأتي به، حيث إقامة حدود الله (سبحانه وتعالى)، واتّخاذه موقفًا وسلوكًا قولًا وفعلًا. وهذا قد لا يلائم بعض النفوس؛ لأنّه لا يوافق الأهواء دائمًا، فما يجري من إصلاح وحكم بالقسط قد يضرّ بمصالح البعض. فمَن لم يكن له تسليم لقبول الحقّ فستدفعه أهواؤه إلى المعارضة والوقوف في مواجهة مشروع المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وإنّه إن لم يرفض أو ينكر حقانيّة ما جاء به، فقد يطلب منه تغييره الحكم، أو يُملي ويقترح أحكامًا بما ينسجم مع توجّهاته، وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): "إنّما كُلّف الناس ثلاثة: معرفة الأئمّة، والتسليم لهم فيما يرد عليهم، والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه"(3). ............................................... (1) بحار الأنوار: ج51، ص133. (2) مفاتيح الجنان: ص663. (3) بحار الأنوار: ج2، ص202. (4) مفاتيح الجنان: ص663.ار: ج2، ص202.